شالوم بشار!

TT

في التسعينات الميلادية من القرن الماضي، كنت ضمن فريق مكلف من شركة «ديزني» العالمية لتسجيل علامتها التجارية ذائعة الصيت في العالم العربي؛ وذلك لأجل حماية حقوق ملكيتها الفكرية التي كانت تتعرض لانتهاكات صارخة، وكانت البرلمانات العربية، وقتها، هي والحكومات، تتعرض لحملات من النقد حادة جدا، بسبب عدم قيامها بتأسيس سياسات وتشريعات تقوم بتكريس تلك الحماية وتفعيلها بشكل عملي، وبدأوا بالتالي بإصدار قوانين لعمل ذلك، ووقتها كان هناك الفيلم الكرتوني الذي حطم جميع الأرقام القياسية في نسب المشاهدة «الأسد الملك» في أوجه، وكان بالتالي من أهم العلامات التجارية التي تطالب «ديزني» بحمايتها، وهو ما نجحنا في عمله في جميع الأقطار العربية إلا في سوريا، ووقتها بلغنا أن علينا «تغيير» الاسم؛ لأن في ذلك إهانة كبيرة جدا لـ«المعلم». وطبعا رفضت «ديزني» تعديل الاسم، لكن بقيت هذه الحادثة في ذاكرتي دوما وعلاقة اسم الفيلم هذا بالنهج السياسي للأسد الأب وقناعته أنه ملك له حق في توريث حكمه «الجمهوري» لوريثه الابن، وبالتالي تحقيق عملي لفكرة الأسد إلى الأبد، وهو الذي يفسر بشكل حقيقي وعملي سبب قتله الموتور لشعبه الذي طالب بالخلاص من أربعين عاما من سنوات الحقد والظلم والذل والمهانة والقهر والطغيان.

فكيف من الممكن أن يعقل ويقبل أن يكون للشعب السوري خيار آخر غير حكم الأسد وعائلته؟ هذا هو لسان حال الحكم الذي استعان بالهلوسة السياسية ليشرح موقفه، فله من الأكاذيب والأساطير الواحدة تلو الأخرى ليعرف الناس بما يجري على الأرض السورية من «مؤامرة» على الشعب والنظام، متناسيا أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وهو ما أثبتته الأيام لاحقا ولا تزال، ولم يعد موقع في أراضي سوريا إلا وانتفض ضد النظام ولم تبقَ دائرة من دوائر القوات المسلحة بجميع قطاعاتها إلا شهدت انشقاقات مهمة جدا فيها انتشرت أكثر لتشمل الطلبة والأطباء والمعلمين والمحامين ورجال الأعمال والمشايخ والقساوسة والرياضيين والفنانين والإعلاميين بأعداد غير بسيطة، بل إن العشائر نفسها، التي عُرفت بالنفس الحذر الطويل، انشقت وانضمت للثورة المباركة.

اليوم، النظام السوري يمارس على شعبه حرب إبادة بامتياز في حمص والرستن وإدلب ودرعا وجبل الزاوية، ويسقط العشرات بشكل يومي، ويحرم الناس من الغذاء والدواء ولا يرحم شيخا ولا امرأة ولا طفلا، ويقدم لإسرائيل هدية العمر حين تقدم بعد ذلك على أي عمل ضد العرب والفلسطينيين، فهي حتما سيكون جوابها بفخر: لم نفعل مثل ما فعله الأسد بحق شعبه هو وأبوه.

اليوم إسرائيل نفسها تستشعر القلق والخطر اللذين من الممكن أن يسببهما سقوط نظام بشار الأسد على حدودها فيفتح عليها باب المجهول بعد 40 عاما من الاستقرار والاطمئنان اللذين ضمنهما وأمنهما الأسد لإسرائيل وجولانه الذي سقط في ظروف غامضة ومريبة جدا وسط قيادة الأسد الأب نفسه للقوات السورية في عام 1967 وانسحابه «المفاجئ» منها.

اليوم إسرائيل تمارس ضغوطا قوية عبر «لوبي» متمكن لها في روسيا لدعم بشار الأسد بالعتاد والاستخبارات لـ«قمع» ثورته بشكل مباشر، وطبعا منحه الوقت لعمل ذلك عبر عدم توفير الغطاء الأممي لذلك عن طريق استخدام «الفيتو» الروسي في مجلس الأمن لمنع أي قرار عن هذه الهيئة يسمح بالتدخل العسكري الدولي عن طريق حلف «الناتو» مثلا، وكذلك تعمل إسرائيل عن طريق قوى الضغط الأخرى التي لديها في أوروبا، كما شاهدنا بعد لقاء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الجالية اليهودية المؤثرة في فرنسا وخرج فورا بعدها ليقول إن فرنسا والعالم لن يقدما الدعم للمعارضة السورية قبل أن توحد صفوفها، وهو طبعا شرط تعجيزي جدا لم يُطلب في ليبيا من قبل، لكن اتضح من التسريبات أن إسرائيل طلبت من الجالية اليهودية أن تبلغ ساركوزي أن عليه «التهدئة» وعدم المبالغة في الحماس في دعم المعارضة السورية، وهو في سنة انتخابية حساسة جدا، وكذلك الحال بالنسبة لباراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون اللذين حدَّا من وتيرة حماستهما وقالا إن التدخل العسكري غير ممكن الآن بعد أن وصلت إليهما مخاوف من اللوبي الإسرائيلي من أن سقوط الأسد سينقل قلاقل لإسرائيل، وهو ما صرح به علنا نائب رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) الأسبق وقت أن قال: «سقوط الأسد سيسبب القلق والاضطراب على إسرائيل»، وهو ما يفسر موافقة أكثر من 80% من الإسرائيليين الذين تم استفتاؤهم في استطلاع للرأي عن طريق صحيفة «يديعوت أحرونوت» على «الفيتو» الروسي المعارض للتدخل العسكري في سوريا لحسم الوضع الدموي فيها، الذي تسبب فيه النظام.

إننا أمام مشهد مأساوي يقوم به نيرون عصره، بشار الأسد، مدمرا بلاده ومحرقا إياها، وهو يقودها حتما للتقسيم، ولم يكن لدى رامي مخلوف عتب سياسي ولا كان متسرعا حين قال إن أمن إسرائيل من أمن سوريا، لكنه أجهر بما لم يكن يجب أن يقال.

حقا إن حزب البعث في سوريا هو أمة «ليكودية» واحدة ذات إبادة خالدة! إسرائيل والصين وإيران وروسيا لن تستطيع إنقاذ بشار الأسد؛ لأن دم الأبرياء لن يذهب هدرا.

[email protected]