أيام فاتت.. أيام الباذنجان الإفرنجي

TT

عندما كانت الأيام صافية في مدينة سامراء في العراق، ولم يعرف فيها الناس الإرهاب والقتل والمقتول غير قتل البنت التي تقع في الغرام، كان ضابط يوزباشي عثماني يدير أمور المدينة، صغيرها وكبيرها، والناس يطيعونه، كبيرهم وصغيرهم، نادى على أكبر مزارع في المدينة، السيد محمد عرب، والد صديقنا حازم السامرائي، الذي روى لي هذه الحكاية، سلمه مظروفا فيه بعض البذور. قال له: «اسمع حاجي عرب، اغرس هذه البذور في مزرعتك واسقها من ماء ماكينتك فتعطيك ثمرة طيبة بإذن الله». كان السيد السامرائي من أول من نصب ماكينة في العراق تضخ الماء من نهر دجلة بإذن الله. واشتهر بزراعة أحسن أنواع البطيخ بنوعيه الأصفر والأحمر (الرقي).

خرج من مكتب اليوزباشي شاكرا بعد أن سلمه البرطيل عن ذلك السنة. أمر فلاحيه بغرس هذه البذور وسقيها. وفاتت أيام وإذا بها تخرج بالفعل باكورة ثمرها، قطعوها على عادة العراقيين قبل أن تنضج، خضراء صلبة. أكلوا منها فوجدوها حامضة مُرة سيئة الطعم، فتفلوها على الأرض ولعنوا الضابط والحكومة، على عادة العراقيين أيضا، على سوء فعلها. أمر السيد محمد الفلاحين بقطع الماء عنها وتركها.

مرت أيام فلفتت نظرهم أنها تحولت إلى لون أحمر قانٍ كلون الرمان وخدود الراقصات في الملهى بعد الماكياج. قطفوا واحدة منها، فإذا بها لذيذة ولينة القضم. رشوا شيئا من الملح عليها فازدادت حلاوة وطيبا. قالوا: يا سبحان الله، مغير الأخضر للأحمر. قطعوها ووضعوها في خبزهم الحار. آه! ما أحلاها.

لم يكن الضابط التركي قد أعلمهم باسمها فتحيروا فيها. ربما لم يكن هو أيضا يعرف الاسم، لكن كان هناك واحد من الشعراء ينظر إليها ولم يكن الشعر الحداثي الحر قد وصل إلى مدينة سامراء بعدُ. نظر إليها وقال: أوه! هذا باذنجان إفرنجي! ثم أنشد قصيدة في مدحه. وراح القوم يسمونه بهذا الاسم في مطابخهم وأسواقهم: باذنجان إفرنجي.

بقي اسمه كذلك حتى جاء الإنجليز وطردوا الأتراك من العراق. وعلموا العراقيين أسماء كل شيء: الطاولة ميز، القدح كلاص، الكرة فوتبول، والباذنجان إفرنجي طماطا.

جلس جنديان عراقيان في جبهة جنين في فلسطين، قال أحدهما للآخر: سمعت؟ هؤلاء الفلسطينيون يسمون الطماطة بندورة! شنو يعني بندورة؟ من وين جابوا هالاسم؟ الطماطة طماطة! من يوم ما الله خلقها سماها طماطة.

وفي تلك الأيام التي فاتت، بادر يهود العراق باستيراد المانجو المتبل من الهند. وسموه عمبة. وأخذوا يضعونه في الخبز الإفرنجي المسمى الصمون ويضيفون إليه الباذنجان الإفرنجي. وهكذا أصبحت أكلة «صمون وعمبة» من أشهر الأكلات الشعبية بين الصغار. المانجو الإفرنجي والباذنجان الإفرنجي بالخبز الإفرنجي. لم يكونوا بعدُ قد سمعوا بالاحتلال الإفرنجي والحكم الإفرنجي.