حتى لا يكون عمرو موسى زوجا للملكة!

TT

عقد المستشار فاروق سلطان، رئيس لجنة انتخابات الرئاسة في مصر، مؤتمرا صحافيا مساء الاثنين الماضي، من أجل الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها قبل 30 يونيو (حزيران) المقبل، وعندما انعقد المؤتمر، كرر الرجل كلاما كان قد تم الإعلان عنه من قبل، خصوصا موعد فتح باب الترشح للرئاسة، وانفض المؤتمر من دون أن يعلن المستشار سلطان فيه ما كان قد دعا الصحافيين إليه في الأصل.

ولا أحد يعرف، إلى الآن، لماذا تقرر في اللحظة الأخيرة إرجاء الإعلان عن موعد انتخاب رئيس الجمهورية القادم لموعد آخر لم يتحدد بعد، فلا يزال الذين ترقبوا المؤتمر الصحافي يضربون أخماسا في أسداس من دون أن يفهموا لماذا احتفظ رئيس اللجنة بالموعد لنفسه ولم يعلنه.. فالمؤكد أنه، عندما دعا إلى المؤتمر، بغرض الإعلان خلاله عن الموعد المرتقب، كان قد حدده مع المجلس العسكري الحاكم مسبقا، لولا أن ظروفا طارئة، كما هو واضح، قد حالت دون ذلك.. أما طبيعة هذه الظروف، وكونها طارئة، وخلفياتها، فكلها أمور شديدة الغموض، على الرغم من أنها حديث الجميع في القاهرة هذه الأيام!

وربما يكون الدستور الجديد، الذي من المفترض صياغته خلال الأسابيع المقبلة، هو السبب في هذا الارتباك الذي أصاب المستشار ومؤتمره، فجأة.. ربما!

فالمعروف أن مجلس الشورى سوف ينعقد بعد اكتمال تشكيله آخر هذا الأسبوع، والمعروف أيضا أن الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري الحاكم، في مارس (آذار) الماضي، يجعل صياغة الدستور الجديد في يد «الشورى» ومعه مجلس الشعب، باعتبارهما غرفتي البرلمان، فكلاهما سوف يختار مائة شخصية لوضع مشروع الدستور، ثم صياغته، وإقراره في صورته النهائية، وصولا إلى استفتاء المصريين عليه.

لذلك، فلم يكن من المتصوَّر - في ما أظن - أن يجري الإعلان عن فتح باب الترشح للرئاسة في 10 مارس المقبل، وأن يجري الإعلان عن موعد الانتخابات نفسها، كما كان مفترضا في المؤتمر إياه، من دون أن نعرف خلاله ذلك كله، متى سوف يصاغ الدستور الجديد؟ وفي أي مدى زمني؟ وعلى أي صورة سوف يأتي ويخرج إلى النور؟!

ولو أن أحدا تابع التصريحات المتعاقبة لعدد من مرشحي الرئاسة المحتملين، فسوف يلاحظ أن عددا لا بأس به منهم يلوح دائما بأنه سوف ينسحب من الترشح إذا أقر الدستور الجديد النظام البرلماني في الحكم! ففي مثل هذا النظام، يظل رئيس الدولة رمزا لها، لا أكثر، وتبقى مهمته محصورة في أشياء بروتوكولية من قبيل استقبال الضيوف الرسميين للبلد في المطار، وتوديعهم، واعتماد السفراء في العواصم المختلفة، وتوقيع القوانين التي يقرها البرلمان، و.. و.. إلى آخر مثل هذه الإجراءات التي تجعله أقرب ما يكون إلى زوج الملكة في بريطانيا!! إذ من بين الطرائف المشهورة عن زوجها أن ضيفا رسميا كان يزور لندن، وأن أحدا في المراسم الملكية راح يقدم زوج الملكة للضيف قائلا: إنه زوج الملكة.. ولما لم يفهم الضيف وظيفة هذا الزوج بالضبط، راح يسأل من جديد عن وظيفته المحددة، وكان رد الذي يقدمه هو نفسه رده في المرة الأولى قائلا: إنه زوج الملكة يا سيدي.. وهنا، كان الضيف قد فاض به، فقال في تلقائية: أعرف أنه زوج الملكة.. ولكن ماذا يفعل الرجل بالنهار؟!

المرشحون الرئاسيون المهمون في القاهرة، وفي مقدمتهم عمرو موسى - على سبيل المثال - لا يريدون أن يكونوا أزواجا للملكة في مصر، ويريد كل واحد منهم أن يكون له دور حقيقي في حكم البلد، وفي تحقيق أهداف برنامج عملي المفروض أنه سوف يقدمه للناخبين في حينه، ولا بد أنه من المضحك أن نفتح باب الترشح لانتخابات رئاسة، لا يعرف الذي سوف يخوضها ما هي - على وجه التحديد - حدود صلاحياته، حين يفوز، وأين تبدأ اختصاصاته، وأين تنتهي؛ لذلك لم يخطئ الذين قالوا إننا لسنا في حاجة إلى بذل هذا الجهد الذي نبذله كله هذه الأيام من أجل وضع دستور جديد للبلاد، وإن دستور 1971 يكفينا جدا، وإنه إذا كان قد تم إلغاؤه مع تخلي الرئيس السابق عن الحكم في 11 فبراير (شباط) الماضي، فمن السهل استدعاء نصه من جديد، واعتماده كما هو، مع تعديل باب اختصاصات رئيس الجمهورية فيه.. لا أكثر.. ولا أقل.. إلى جانب رتوش أخرى طبعا، هنا وهناك، من نوعية الـ50% عمالا وفلاحين، التي كان ذلك الدستور القديم يشترطها لصحة انعقاد البرلمان!

فقهاء الدستور المحترمون يقولون بهذا، ويكررونه مرارا، وكأنهم يؤذنون في مالطا، مع أنهم يتكلمون في ما يخصهم، وفي ما يفهمون فيه، ومع أن هذا، عقلا وبالمنطق، هو الأسلم، فليس مطلوبا منا، ونحن نضع دستورنا المعبر عن أهداف الثورة، أن نعيد اختراع العجلة، لا لشيء إلا لأن العجلة قد جرى اختراعها من زمان، وانتهى الأمر، وإنما كل ما هو مطلوب أن نضيف إلى العجلة، وأن نأخذ من شكلها أو تكوينها ونضيف إليه، حتى لا نبدأ من الصفر، وحتى لا نعود إلى المربع الأول!

إن كل ما كنا نشكو منه، قبل الثورة، في الدستور، هو تضخم اختصاصات رئيس الجمهورية فيه، لدرجة أنه كان من الصعب عليك أن تعثر على شيء يقره الدستور، كإجراء في البلد، من دون أن يكون لرئيس الجمهورية دور أساسي فيه، وكان كل شيء في الدولة يبدأ من عند الرئيس، وينتهي عنده أيضا، وكان تركيز السلطات في يديه، على هذا النحو، يجعل الرئيس هو الدولة والدولة هي الرئيس، بما أدى بنا إلى وضع كارثي من النوع الذي ساد في السنوات القليلة السابقة على الثورة، وإذا كان هناك شيء حقيقي يمكن فعله الآن، فهو أن نأتي بدستور 1971، ثم نعدل ما لم يكن يعجبنا في مواده، قبل قيام الثورة، ولن نكون، عندئذ، في حاجة إلى وقت كبير، لصياغة دستور من أول وجديد، ولا في حاجة إلى إنفاق وقت، وتبديد جهد، في صياغة مشروع دستور جديد تماما، يمكن أن يستهلكنا، من دون مبرر، أو أن يدخل بنا في متاهات، نحن أغنى الناس عن الدخول فيها.. لا تجعلوا من عمرو موسى، أو غيره من المرشحين المحتملين الكبار، أزواجا للملكة؛ فدستور 1971 يغنيهم ويغنينا، ويختصر علينا الطريق!