ويل له غالبا أو مغلوبا

TT

لقد جر الأسد نفسه وحكومته لوضع تعيس حقا في كل الأحوال، الأمر الذي يدهشني من طبيب عارف ومتنور. فإذا اندحر وسقط، وهو المتوقع، فإما سيواجهون مخالب الشعب السوري لتمزقهم. وإما - وهو الأسوأ - أن يساقوا للقضاء لارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبالتالي الشنق من رقابهم بين لعنات وشتائم أعدائهم. وسيقضي أبناؤهم ونساؤهم بقية حياتهم في الذل والعار.

أما إذا انتصروا، فسيحكمون بلدا «باريا»، بلدا مرفوضا من الجميع باستثناء روسيا والصين وإيران والذيل الذليل لإيران، العراق. تصبح سوريا دولة خارج الأسرة العربية والجامعة العربية. سيحكمون بلدا مخربا وعاجزا عن الحصول على أي شيء من أموالهم المجمدة أو المصادرة في الخارج، أو الحصول على أي دعم مالي لإعادة بناء ما خربوه أو تعويض المتضررين. وما قد يحصلون عليه من اقتصادهم المفلس سينفقونه على حراسة أنفسهم فسيقضون حياتهم يتلفتون يمنة ويسرة، لا يدرون من أي جهة ستضربهم طلقة أو قنبلة أو انفجار فدائي. لن يستطيعوا حضور أي محفل دولي أو الخروج خارج بلدهم خوفا من اعتقالهم وسوقهم لمحكمة العدل الدولية. ستصدر الإنتربول أوامرها بالقبض عليهم فورا حيثما وجدوا. وبالطبع ستعجز سوريا عن لعب أي دور في السياسة الدولية أو شؤون المنطقة بما في ذلك المسألة الفلسطينية أو إسرائيل أو قضية الجولان.

البقاء حيا سيكون شغلهم الشاغل والوحيد.

وعلى ذكر إسرائيل، لا بد لي من فتح هذه الصفحة المطوية. إنني من هواة متابعة أصابع إسرائيل في أي شأن من شؤون منطقتنا. لفت نظري غياب ذكرها في هذه المناقشات الطويلة الجارية بشأن سوريا. لم أجد أحدا يشير إليها في طروحاته، فدعوني أسد هذه الثغرة.

امتنع الغرب عن التدخل العسكري، بإنزال قواتهم في سوريا، كما فعلوا مع صدام حسين، ولكنهم امتنعوا أيضا عن خلق منطقة آمنة على نحو ما فعلوا لكردستان في عهد صدام، وكذلك امتنعوا عن حماية المدنيين بردع الجيش السوري من التحرك ضدهم كما في ليبيا. لا يتطلب ذلك زج أي عساكر في المعركة. كل ما هو مطلوب استخدام طائراتهم ضد أي تحرك للأسلحة الثقيلة ضد المدنيين. صرحوا علنا بموقفهم السلبي هذا مما شجع الأسد في رعونته. وحتى بعد أن بلغ السيل الزبى، تكلمت كلينتون في 14 فبراير (شباط) تدعو الأسد لاتباع الديمقراطية!

بالطبع عرقلت روسيا والصين استعمال القوة باستعمال الفيتو. لماذا اتخذت أميركا هذا الموقف تجاه سوريا بخلاف موقفها حيال ليبيا؟ أعتقد أنه يعود لموقف إسرائيل واللوبي اليهودي. لم تعط الضوء الأخضر لواشنطن. على خلاف معظم الحكومات العربية، تحرص حكومات إسرائيل على حماية بلدها وشعبه ومصالحه.

وطالما بقينا على عدائنا لها، فستبذل جهدها لإضعافنا وتمزيق دولنا. وفقت في ذلك بالعراق وأخرجته من خط المواجهة. والآن سنحت الفرصة في سوريا. دع أهلها ينشغلوا بقتل بعضهم البعض وسينسون الجولان وفلسطين. ربما سيمكن تقسيم سوريا مثلما تقسم العراق. يعني ذلك أن على المعارضة أن تتوجه لمخاطبة تل أبيب وليس واشنطن أو باريس.

على الأسرة الدولية أن تضع قاعدة ملزمة، التدخل لحماية المدنيين أو عدم التدخل، لتعرف الشعوب طريقها.