هل تصبح العلاقات التجارية الأميركية الروسية ضحية لخلافات سياسية؟

TT

مع تأزم العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا إزاء السياسة السورية والتصريحات شديدة اللهجة المعادية لأميركا من قبل الحكومة الروسية استجابة للمظاهرات السياسية هنا في روسيا، بدأت إدارة أوباما وحلفاؤها الديمقراطيون في الكونغرس الضغط بعنف من أجل إلغاء قيود تجارية تعود إلى حقبة الحرب الباردة وجعل روسيا شريكا تجاريا كاملا.

وتعكس الحملة التي تبدو متضاربة ومشحونة سياسيا لإقناع الكونغرس بمنح وضع تجاري طبيعي دائم لروسيا تحولا شديدا في الظروف: ففجأة، بعد أكثر من 35 عاما من الجدال حول التجارة مع روسيا، أصبح لها اليد الطولى.

في ديسمبر (كانون الأول)، أصبحت روسيا آخر الاقتصادات البارزة التي تحظى بالموافقة على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية – وهو المطلب الذي كانت تدعمه إدارة أوباما نظرا لأنه ألزم روسيا بجعل الكثير من قوانينها تتوافق والمعايير الدولية، بما في ذلك فرض إجراءات وقائية أشد صرامة لتأمين الملكيات الفكرية. كذلك، كان جزءا من عملية استعادة العلاقات مع الكرملين.

لكن، في حالة ما لم يلغ الكونغرس القيود، التي تم العمل بها في عام 1974 من أجل الضغط على الاتحاد السوفياتي للسماح بهجرة اليهود ولم تعد مناسبة الآن، ستكون الولايات المتحدة عما قريب في وضع انتهاك لقوانين منظمة التجارة العالمية. وربما تتضرر الشركات الأميركية بشكل خطير – على سبيل المثال - بدفع تعريفات جمركية أعلى، من منافسيها الأوروبيين والآسيويين، الذين قد يستفيدون بشكل فوري من وضع روسيا الجديد.

وتتمتع عدد من الشركات المعروفة بمصالح تجارية مهمة في روسيا، من بينها «كاتر بيلر» و«جون دير» و«بوينغ» و«يونايتد تكنولوجيز». ومن المؤكد أن هذه الشركات ستتكبد خسائر فادحة. وقال ماكس بوكوس، السيناتور الديمقراطي عن ولاية مونتانا ورئيس مجلس إدارة اللجنة المالية في مجلس الشيوخ، في مقابلة أجريت معه في موسكو، عقب لقائه بالرئيس ديمتري ميدفيديف ومسؤولين بارزين آخرين، إلى جانب رؤساء شركات أميركيين «ستفوز دول أخرى بحصة من السوق في روسيا على حساب الولايات المتحدة».

ووصل بوكوس، الذي تتمتع لجنته بحق النظر في الضرائب والسياسة التجارية، إلى سان بطرسبرغ بعد فوزه بمعركة عنيفة في كابيتول هيل من أجل مد تخفيض مؤقت في الضرائب على الأجور، وهي معركة أوضحت مدى صعوبة تمرير قانون من داخل كونغرس منقسم على نفسه هذه الأيام، حتى مع اتفاق الجمهوريين والديمقراطيين على النتيجة المنشودة.

إن النجاح في إلغاء القيود التجارية التي تم سنها في عام 1974، المعروفة باسم تعديل «جاكسون فانيك»، والموافقة على علاقات تجارية طبيعية دائمة مع روسيا ربما يثبت أنه عملية أصعب.

أولا: هناك سيل من الخطابات المعادية لأميركا يرى كثير من المراقبين للعلاقات الروسية - الأميركية أنه الأسوأ على الإطلاق في تاريخها الحديث. وقد اتهم رئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يخوض سباق الانتخابات الرئاسية، وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والولايات المتحدة بتأجيج حالة من الاهتياج السياسي، والتي تشمل الاحتجاجات الضخمة في الشوارع التي اندلعت هنا في الأشهر الأخيرة. وقد تعرض السفير الأميركي الجديد الذي وصل مؤخرا لروسيا، مايكل ماكفول، الذي كان مستشارا أعلى للرئيس أوباما في شؤون روسيا بالبيت الأبيض، لهجوم أيضا، حيث اتهم بأنه مرسل لإشعال ثورة داخل روسيا. وتأتي بعد ذلك جهود روسيا لعرقلة التدخل الدولي في سوريا، بما فيها استخدامها حق الفيتو، جنبا إلى جنب مع الصين، لرفض مشروع قانون صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب الرئيس بشار الأسد بالتنحي. وعلى نحو بث الرعب في أوصال المسؤولين الأميركيين، استمرت روسيا في شحن الأسلحة والأدوية والأطعمة وغيرها من الاحتياجات الأخرى الأساسية إلى سوريا وواصلت تزويد نظام الأسد بالدعم على المستويين العملي والسياسي.

وأثار باكوس مخاوف أميركية بشأن سوريا في مقابلته مع ميدفيديف، الذي عبر عن رغبة في العمل مع الولايات المتحدة، لكنه ردد فكرة عامة سائدة بين مسؤولين روس مفادها أنهم قد وقعوا ضحية خداع بعد اتفاقهم على عدم عرقلة مشروع القانون الصادر عن مجلس الأمن والذي يقر بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين. وفي رأيهم، استخدم مشروع القانون في تبرير هجمات جوية أطاحت بالعقيد معمر القذافي. وأشار بعض المسؤولين هنا إلى أن الاجتماعات التي عقدت بين بوكوس وقادة روس رفيعي الشأن، بينهم النائب الأول لرئيس الوزراء إغور شوفالوف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزيرة التنمية الاقتصادية إلفيرا نابيولينا، ووزيرة الزراعة ييلينا سكرينيك، جسدت حقيقة أن معاداة التوجه الأميركي مسرحية تدخل في إطار حملة رئاسية ضخمة تستهدف الجمهور المحلي الروسي وأن موسكو ما زالت ملتزمة بالعمل مع الولايات المتحدة.

وتحدد منظمة التجارة العالمية القواعد التي تحكم التجارة الدولية وتوفر منبرا لتسوية النزاعات. وقد سعت روسيا لأن تصبح عضوا بالمنظمة على مدار نحو عقدين، وتتوقع بعض الدراسات أنها ستفوز بنسبة تقدر بـ1% من النمو الاقتصادي من عضويتها في المنظمة. ولكن حتى في حالة ما إذا خمدت الروح المعادية لأميركا وعاد النظام مرة أخرى إلى روسيا، تبقى عقبات أخرى.

ووقع أكثر من 14 عضوا بالكونغرس على دعم تشريع من شأنه أن يمنع مسؤولين روس ومسؤولين آخرين من مختلف أنحاء العالم متورطين في انتهاكات لحقوق الإنسان من الحصول على تأشيرات سفر. وقد أطلق على مشروع القانون اسم سيرغي إل ماغنيتسكي، محام روسي تم اعتقاله وتوفي في السجن بعد محاولته الكشف عن تحايل ضريبي ضخم من قبل مسؤولين حكوميين.

ويقول رعاة مشروع القانون، بينهم السيناتور بنجأمين إل كاردين، الديمقراطي عن ولاية مريلاند، إنهم يسعون إلى إرفاقه بأي تشريع يهدف لتطبيع العلاقات التجارية مع روسيا. ويضم مؤيدو مشروع القانون السيناتور جون ماكين، الجمهوري عن ولاية أريزونا، والذي يعتبر واحدا من أشد منتقدي الحكومة الروسية. وتعارض إدارة أوباما مشروع القانون، قائلة إنه يتدخل في شؤون وزارة الخارجية وإنه قد اتخذت خطوات لحرمان المسؤولين المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان من الحصول على تأشيرات، إضافة إلى ذلك، فإن ثمة قضايا مضجرة تتعلق بالتجارة الدولية، من بينها بعض الاتفاقات التي يجب الوصول إليها بشأن تشريعات مفروضة على منتجات لحم الخنزير. وفي محاولة للتغلب على العقبات السياسية، يمكن أن تواجه إدارة أوباما معارضة من قبل هؤلاء الذين يقولون بأن أي امتيازات ممنوحة لروسيا ليست ذات قيمة، بالنظر إلى الخلافات الجوهرية بشأن السياسة الخارجية وحقوق الإنسان والمخاوف بشأن الفساد، وعلى وجه الخصوص بسبب أن حجم التجارة مع روسيا ضئيل. وبلغت قيمة الصادرات الأميركية لروسيا في عام 2011 نحو 8 مليارات دولار، مقارنة، على سبيل المثال، بصادرات تربو قيمتها على 100 مليون دولار للصين.

ولإبراز أهمية السوق الروسية بالنسبة للشركات الفردية، زار بوكوس مصنع جون دير في روسيا، الذي ذكر أنه ساعد في دعم وظائف داخل الولايات المتحدة، بينها وظائف بـ3 شركات توريد في ولايته الأم، مونتانا.

وفي مقابلة أجريت معه، قال باكوس إنه رغم المعركة العسيرة المرتبطة بتمرير أي تشريع في عام تجرى فيه انتخابات رئاسية، يرى أن الكونغرس سيدرك الحكمة من تطبيع العلاقات التجارية مع روسيا، أو على الأقل إدراك أن العجز في تحقيق ذلك سيضر بالتجارة الأميركية.

* خدمة «نيويورك تايمز»