الرئيس يريد.. الفضاء

TT

على اختلاف الآراء والمواقف السياسية بين المحللين والخبراء والسياسيين ومسؤولي الدول تجاه الأزمة المستمرة منذ عام تقريبا في سوريا، هناك خيط واحد يشترك فيه الجميع، وهو أن النظام السوري بقيادته الحالية لا يستطيع الاستمرار، وأن التغيير قادم قادم، بعد أن تورط النظام في حجم الدم الذي نراه يوميا الآن وأصبح أشبه بمجازر.

والسؤال الذي يحير الجميع وليس لديهم إجابة واضحة عليه هو الوقت الذي سيأخذه هذا التغيير، وبأي ثمن، والكيفية التي سيجري بها، وماذا بعد التغيير؟

القيادة السورية من جانبها ليس لديها هذا الشعور، أو هي في حالة إنكار لما يراه الجميع شرقا وغربا حول مصيرها، لتنظم استفتاء لدستور جديد على وقع الرصاص وقذائف المدافع والدبابات ومدن محاصرة وتتعرض لما يشبه المجازر، وكأن الوضع طبيعي.

حالة الإنكار تبدو من تصريحات الرئيس السوري خلال الإدلاء بصوته في الاستفتاء بتأكيده بأننا أقوياء على الأرض لكننا لسنا كذلك في الفضاء ونريد أن نربح الأرض والفضاء، وهو لم يكن يقصد إرسال أقمار صناعية أو مركبات إلى الفضاء، ولكن القنوات التلفزيونية الفضائية، التي يتهمها النظام بشن حرب إعلامية، وكأن هذه هي سبب المشكلة، وهي التي تختلق الأحداث. وهو استمرار لنفس الخطاب الذي يحمل المشكلة لأطراف خارجية، وكان امتلاك فضائيات تقول ما يريد النظام سيقنع المتلقين بروايات العصابات المسلحة وقطاع الطرق، ويسكت السوريين العاديين الباحثين عن الكرامة والحرية والعدالة.

منذ البداية كان هناك قصور نظر ومكابرة وحالة إنكار من قبل النظام بتصريحات مغرورة عن أننا لسنا تونس ولسنا مصر، رغم أن الحالة في سوريا أسوأ من النظامين السابقين في البلدين بمراحل كثيرة. وأدت حالة المكابرة إلى غشاوة في رؤية حالة التململ الشعبي وإرادة التغيير التي بدأت بمطالب بسيطة في الحرية والعدالة، ووجهت بقمع قاسٍ أدى إلى تصاعد سقف المطالب تدريجيا إلى أن لم يبق هناك حل سوى رحيل النظام.

ولم ترَ القيادة السورية المبادرات والإشارات ومضمون الرسائل التي بعثت إليها عربيا ودوليا بما لم يحصل عليه نظام عربي آخر لإجراء التغيير بشكل سلمي وفي إطار لا يؤدي إلى ما نراه الآن من مخاطر حرب أهلية ضروس ستكون نهاية النظام فيها دامية.

وجاءت المبادرة العربية كأوضح خريطة طريق لحل الأزمة ووقف حمام الدم بمسار مشابه للمسار الذي أخذته الأزمة في اليمن.. رئيس يسلم سلطاته لنائبه في فترة انتقالية بحكومة وحدة وطنية، لتجرى انتخابات ودستور جديد، إلى آخر المسار الذي سيعني في النهاية رحيلا آمنا، لكن النظام لم يرَ الحبل المقدم له وقال إن الشعب يريد الحل الأمني! أي مواصلة القتل!

السؤال المحير الآخر هو: لماذا لا ترى القيادة السورية ما يراه باقي العالم، وما تراه المدن السورية المنتفضة المستمرة في مقاومة الدبابات والرصاص والاعتقالات؟ وهل دوائر السلطة هناك مقتنعة فعلا بفبركات الحديث عن عصابات مسلحة ومؤامرات خارجية وفضائيات محرضة؟ وهل يمكن لمثل هذه الأشياء أن تشعل ثورة في بلد تستمر عاما تقريبا من دون أن تهدأ وعلى العكس تزداد اشتعالا؟

والحقيقة أن النظام السوري أصبح لا يملك لا الأرض ولا الفضاء، فعلى الأرض استخدام المدرعات والدبابات في مواجهة مدن وشعب أعزل دليل ضعف وعدم قدرة على السيطرة، والفضاء ليس قنوات تلفزيونية، ولكنهم الناس على الأرض الذين يصورون ويوثقون ما يتعرضون له من قمع ويرسلونه إلى الخارج ليتلقط صوتهم.