في حتمية الربيع الإيراني

TT

الثورات العربية تقلق إيران.. فبعد أن حققت الميديا الجديدة ما حققته من قلب أنظمة وإسقاط حكام، يجهد النظام في إيران لتحصين نفسه من احتمال تكرار حركة الاحتجاجات التي حدثت عام 2009 قبل أن ينجح في قمعها. منذ ذلك الحين توجست السلطات من خطر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ كان الإيرانيون أول من نسق تحركاتهم عبر «تويتر»، لهذا تعتمد طهران سياسة ضبط وقطع اتصالات الإنترنت وتقييدها خشية تنظيم مظاهرات، وهذا ما دفع بالسلطات الإيرانية لإعلان إنشاء إنترنت إيراني بدءا من هذا العام يستبدل تدريجيا الـ«سرفرز» ومحركات البحث الأجنبية.

القيود على الإنترنت تكررت في الأسابيع الأخيرة استباقا للانتخابات التشريعية المقررة غدا، إذا يفاجأ الإيرانيون بقطع غالبية المواقع والخدمات من دون أن تعير السلطات أي اهتمام لذهول الرأي العام واستيائه.

من المرجح أن يكون النظام الإيراني مغتبطا لتمكنه من سحق ثورة شبابه في عام 2009، لكنه يبدو متحسبا لما يجري حوله، خصوصا في دولة إقليمية حليفة هي سوريا، من دون أن يعي حجم التململ الكبير الذي يسود الشارع الإيراني.. قبل أسبوع أحيت إيران ذكرى الثورة في احتفالات حاولت فيها المزاوجة بين الثورة الإسلامية عام 1979 والثورات العربية، طبعا مع إغفال الثورة السورية. لم يحل ذلك دون أن يقف ناشطون في قلب قاعة المؤتمرات التي كان سيتحدث فيها الرئيس أحمدي نجاد ليهتفوا مع الثورة في سوريا، ويقابلوا بتصفيق كبير قبل أن يجري احتواء الأمر.

ردود فعل طهران الرسمية على الصحوة العربية تظهر أن الجمهورية الإسلامية تزدري تلك الثورات. صحيح أن حراكا ما قد يحدث في طهران رغم كل الضبط الأمني، ورغم كل القيود المفروضة على الإنترنت، لكن وبغض النظر عما قد يحصل لاحقا، فإن ما كشفته الانتفاضات العربية هو أن الآيديولوجيا الثورية على النسق الإيراني قد أفلست ليس في الداخل فقط بل هي خسرت حرب الأفكار بين جيرانها أيضا، وهو أمر لن يتمكن ضبط الإنترنت وخنق الحركات الشبابية والمعارضة من الحد منه.

من الواضح أن شيئا يجري في المدن الإيرانية، وأن شعورا يختلط فيه الإحباط بالتحفز، ومفاده أن سكان طهران يهمسون بحقيقة أنهم هم من بدأ الربيع في منطقتنا، وأن نجاح النظام يجب لن لا يعني النهاية والقبول، فها هي مجتمعات أخرى لم تقنط لعنف الأنظمة.

الإمساك بوسائل الاتصال لم ينجح في أي دولة سعت إليه. هناك بروكسي وهناك مئات البرامج البديلة، وأهل طهران وغيرها من المدن في إيران سباقون في احترافهم مخاتلة النظام إلكترونيا، وهذا ما تؤكده الإحصاءات التي تتناول نسبة مستعملي الإنترنت ومحترفي اختراق أنظمة الرقابة عليها.

ربما نجح النظام في إيران في منعنا نحن الذين نعيش خارجها من معرفة ما يجري هناك، لكن المنطق والعقل يشيان بأن إيران لا يمكن أن تبقى بمنأى عن ربيعنا.

diana@ asharqalawsat.com