المملكة على الطريق الصحيح

TT

تلقيت دعوة كريمة من سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود لحضور افتتاح معرض الآثار المستعادة من داخل وخارج المملكة العربية السعودية، وقد سعدت كثيرا لاهتمام المملكة بتراثها الحضاري وبهذا المستوى الفعال. وعندما أقول التراث الحضاري هنا، فأنا لا أقصد التراث الإسلامي فقط وإنما تراث حقب ما قبل الإسلام. وإن إقامة هذا المعرض هي رسالة جادة وحقيقية للعالم كله أن استعادة الآثار المسروقة هي هدف قومي لكل بلد يريد الحفاظ على موروثه الحضاري.

وموضوع معرض المملكة الخاص بالآثار المستعادة يجب أن لا يمر دون تنويه بالملحمة التي وراءه؛ فليست الحكاية هي استعادة المملكة لبعض من آثارها وإنما هناك إدارة أنشئت خصيصا لعودة الآثار المسروقة برعاية وإشراف الأمير سلطان بنفسه والذي يجب أن نقدم له وسام الاحترام كحارس أمين على تراث المملكة العربية السعودية.

أتذكر أن أول قرار لي عندما تسلمت عملي بمصر كأمين عام للمجلس الأعلى للآثار هو إنشاء إدارة الآثار المستردة، واستطعت والعاملون معي استعادة أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية متنوعة وذلك خلال عشر سنوات.

وكان لكل أثر نجحنا في عودته إلى مصر قصة خاصة به.. كيف خرج من مصر، ومن سرقه، ومن ساعد في خروجه، وكيف اكتشفنا وجوده، وما قمنا به لاستعادته.

ما زلت أذكر قصة اللوحات الخمس التي سرقت منذ عشرات السنين من مقبرة تتكي والموجودة بالبر الغربي بالأقصر. وبعد بحث طويل اكتشفنا أن متحف اللوفر بباريس قد اشترى هذه اللوحات، وبناء عليه قمت بإرسال خطاب عاجل إلى هنري لوريت مدير المتحف وشرحت فيه الموضوع وأوضحت له أن شراء هذه اللوحات يعد سابقة خطيرة.. وظل المتحف يراوغ ويعد دون أي قرار. وتقدم المتحف بطلب لاستئناف عملة في الحفائر بمنطقة سقارة، فقمت بإصدار قرار بإيقاف عمل البعثة كرد فعل على شرائهم آثارا مصرية وهم يعلمون أنها مسروقة، وهنا اهتزت الدنيا كلها لأن الفرنسيين كانوا ما يزالون يحكمون العمل الأثري بمصر، أي إنهم كانوا يتحكمون في الآثار المصرية لضعف من كانوا يرأسون العمل الأثري حتى إن هناك كتابا صدر بعنوان «فراعنة من؟» أي هل هذه الآثار ملك للأوروبيين والأميركان أم أنها ملك للمصريين. وقد استطعنا ولأول مرة أن نجعل آثار مصر للمصريين. وكتبت الصحف العالمية إشادة بهذا القرار لأن هذا حق مصر.

وتدخل الرئيس ساركوزي شخصيا في هذا الموضوع وعرض أن تعود الآثار إلى مصر وعلى وجه السرعة، وقررنا عدم التصريح لمتحف اللوفر بالعمل في منطقة سقارة إلا بعد عودة هذه اللوحات إلى مصر. وفعلا عادت اللوحات وكان هذا درسا قاسيا لكل من يحاول شراء آثار مصرية يعلم جيدا أنها مسروقة.

إن عودة آثار المملكة هي ملحمة أخرى، لم يشارك فيها الأثريون فقط بل ساندهم من يملك الدعم السياسي والمعنوي وكذلك المعرفة بأهمية اللغة الدبلوماسية.

وللحديث بقية بإذن الله.