الإسلام قوة

TT

هذا ما كشف عنه الربيع العربي: قوة الإسلام السياسي، فبعد أفول الحركة القومية بنكسة 1967، وطموحات الوحدة العربية بانسلاخ سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة، وانهيار الحركات اليسارية بسقوط المنظومة السوفياتية شرقا، وفشل الاشتراكية غربا، خلت الساحة للأحزاب الإسلامية فأبدعت في اجتياحها. كشف الربيع العربي أيضا عن ضعف العلمانيين والديمقراطيين والليبراليين، حيث إنهم عجزوا عن الالتحام في كتلة فعالة، وتبين أنهم مجرد نخبة «بتاع صالونات»، يحتسون فيها شرابهم ويستمعون لبتهوفن وموتزارت والشعر الحداثي، وعندما تضيق بهم الأرض يلوذون بفلذة أكبادهم: باريس وفيينا ولندن. لم تمتد جذورهم في أعماق شعوبهم. أين ذلك من استعداد الإسلاميين للصمود والاستشهاد على النحو المهيب الذي رأيناه في سوريا. أصبحت الأحزاب الإسلامية الأحزاب الشعبوية الوحيدة.

نجحوا، لا سيما في مصر، بتغلغلهم في الأحياء الفقيرة، وما أكثرها، وهناك راحوا يقومون بما لم يقم به العلمانيون، بمد أيديهم لمساعدة المستضعفين والمحرومين والعاطلين، فوفروا لهم خدمات طبية واجتماعية وخيرية. وبتبني الحياة الديمقراطية والبرلمانية، بتشجيع القوى الغربية، استأثروا بأصوات الناخبين، وتسنموا الحكم. مبروك عليهم، وكما نغني في العراق بالأعراس «شايف خير وتستاهلها!».

لكن النجاح في الحكم أصعب من الوصول إليه، هل سيستطيعون حل مشاكلنا الكبرى؟ فإعطاء الفقير رغيف خبز وحفنة أسبرين أسهل بكثير من توفير عمل له. مشكلة مصر، والكثير من بلداننا، كثرة السكان، وتفشي البطالة بين المتعلمين. على «الإخوان» أن يدركوا ذلك ويدركوه جيدا، ولا يتحاشوه بإلقاء المسؤولية على القدير القادر، وهذه مشكلتهم، فإيمانهم يحث المسلم على الزواج، والزواج بأكثر من واحدة حيث يجد سبيلا ويعدل، وبالإنجاب لنتباهى بأولادنا بين الأمم. هل سيستطيع «الإخوان» تجاهل هذا الركن أيضا من برامجهم ويستحصلون على فتاوى تنظم العائلة وتحدد النسل وتبيح وتشجع موانع الحمل؟

إذا استطاعوا ذلك فسيحرزون نصرا تاريخيا، بيد أن نصرا آخر في متناول يدهم وتأمر به شريعتهم، ألا وهو القضاء على الفساد، أولا بإقناع الجمهور بأن الرشوة إثم سيحاسبون عليه يوم القيامة، إن لم يكن في يومنا هذا، وثانيا أن يقتنعوا هم بذاتهم بأن سرقة أموال الدولة إثم أكبر، وأن يستطيعوا الاقتداء بما فعله صدام حسين في أيامه الحلوة الأولى عندما بث الجواسيس على الموظفين والمقاولين للكشف عن تجاوزاتهم ونشر نوع من الإرهاب ضدهم، هذه هي الجاسوسية الحلال: الكشف عمن يرتشي ويختلس وليس عمن يفكر وينشر.

بقي إنجاز آخر عليهم تحقيقه، وهو أن يتذكروا كيف وصلوا هم إلى الحكم؟ وصلوا بالديمقراطية والحرية والجهاد المدني. القنابل والاغتيالات وحرق القاهرة لم توصلهم للحكم. القضاء على الإرهاب وفكرة نشر الإسلام بالسيف وإصلاح المجتمع بالثورة ومحاربة الصليبيين الأوروبيين هدف آخر في إمكانهم غرسه في نفوس كل المسلمين وغير المسلمين، ومثل ذلك يقال عن قمع الطائفية والتمييز الديني والاثني، عليهم أن يعيدوا للإسلام ما كان عليه زمن الخلفاء والعثمانيين، يوم أصبح التعايش الديني والطائفي بيننا موضع حسد الأوروبيين.