معضلة أداء أكثر من مهمة في وقت واحد

TT

كم مرة تسبب انشغالك بنقاش عبر الهاتف الجوال بالسيارة في أن أخطأت مدخل المنطقة التي كنت تقصدها أو قطعت إشارة ضوئية حمراء كادت تودي بحياتك؟ السبب ببساطة يعود إلى مشكلة استفحلت في العصر الحديث، وهي اضطرارنا لأداء أكثر من مهمة في وقت واحد أو ما يسمى الـ«Multitasking» وهو مصطلح استنبط من الحاسوب الذي يمكنه تأدية وظائف متعددة في الوقت نفسه، الأمر الذي يصعب على الإنسان فعله بالجودة نفسها.

فقد أظهر العلماء أن أداء أكثر من مهمة في آن واحد يقلل جودة الأداء ويخفض التركيز ويرفع نسبة الأخطاء. وأذكر أنني قرأت أن حادث تحطم طائرة أودى بحياة 153 شخصا، كان سببه أن قائد الطائرة قد تمت مقاطعته بسؤال أثناء انهماكه بإجراء الفحص الروتيني لقائمة بالأمور الواجب توافرها قبل إقلاع الطائرة، وهو حينما أجاب ثم واصل عمله نسي أمرا مهما تسبب لاحقا في هذا الحادث الأليم.

ولذا ينصح الفرد دائما بألا ينشغل سوى بما في يديه من عمل مهم حتى ينجزه. وكذلك الموظفون والطلبة، والذين تتطلب مهامهم تركيزا كبيرا، لا بد أن يأخذوا استراحة بين حين وآخر، لأن الاستراحات القصيرة تبين أنها «تضاعف الإنتاجية»، بحسب أكثر من دراسة أكاديمية. وربما هذا ما يدفع مدربي الكرة إلى إخراج لاعب أنهكه التعب لأخذ استراحة قبل أن يستأنف اللعب مجددا.

الطبيب النفساني الشهير إدوارد هالوويل، خريج جامعة هارفارد، يرى أن «اعتقاد الإنسان أن لديه المقدرة على أداء مهمتين أو أكثر بالجودة نفسها التي يؤدي فيها مهمة واحدة هو مجرد خرافة»، على حد وصفه. وهو ما تميل إليه نتائج دراسة الباحثين جونكو وكوتون عن «الأداء الأكاديمي واستخدام الرسائل النصية»، حيث أظهرت أن «أداء أكثر من مهمة في وقت واحد يؤثر سلبا على النجاح الأكاديمي للطلبة».

كما تبين أن هؤلاء الذين يصرون على أداء مهمات عدة، يستغرقون وقتا أطول من نظرائهم ممن يركزون على عمل واحد قبل الانتقال إلى آخر، لسبب بسيط وهو أننا حينما نعود لما كنا نؤديه نحتاج إلى بعض الوقت لاستعادة تركيزنا وتذكر عند أي شيء توقفنا. ولذا فإنني أستغرب ممن يتذمرون من مضايقات زملاء العمل الذين يقطعون حبل أفكارهم وإنتاجيتهم وهم يجعلون مكاتبهم بوفيهات مفتوحة تدعو كل من هب ودب لتناول وجبة خفيفة! ولذا من يرغب في رفع إنتاجيته لا بد أن يهيئ لنفسه أجواءها بأن يغلق الباب، إن اضطر، أو يتظاهر بالانهماك في العمل حتى ينجح في تقليل عدد المقاطعات المزعجة. أما إن كنا نحن من سيقاطع فلا بد من التريث قليلا للنظر إلى وجه الشخص، لمعرفة مدى انشغاله، فالوجه مركز التعابير.

وتجدر الإشارة إلى حقيقة أن المرأة تتفوق على الرجل في مسألة أداء أكثر من مهمة في وقت واحد، بأريحية، لكن تبقى حقيقة لا ريب فيها وهي أن «راعي البالين كذاب» كما نقول باللهجة الخليجية، فكل عمل نقحمه في آخر لا بد أن ينتقص شيئا من جودة العملين.

ولا بد من التذكير بأن إنجاز مهام قصيرة ومهمة في الصباح الباكر يجعل شعورا لذيذا بالإنجاز يتدفق فينا، فيصبح وقودنا لمزيد من الإنتاجية، ويجعلنا نتذوق حلاوة التركيز على مهمة واحدة.

وباختصار نقول، إن الإنجاز أو النجاح ليس سوى سلسلة من المهام الصغيرة المنجزة بإتقان، ولا يتأتى ذلك إلا بالتركيز على عمل واحد رئيسي قبل الانتقال إلى آخر.

[email protected]

* كاتب متخصص في الإدارة