انتخابات فرنسا الرئاسية: أكثر من اللازم مقابل ما لا يكفي

TT

هل من الممكن أن ينجح نيكولا ساركوزي في تحسين صورته في أعين الفرنسيين، وأن يتغلب على منافسيه في السباق النهائي للانتخابات الرئاسية؟ فعلى الرغم من قدرات الرئيس الفرنسي الاستثنائية كمحاور، وقدرته الكبيرة على المشاكسة، والطاقة الهائلة التي يتمتع بها، وسجله الرئاسي الحافل، فإن الإجابة على هذا السؤال لم تكن واضحة، حتى ولو كانت استطلاعات الرأي العام تشير إلى تضاؤل الفجوة بينه وبين أقرب منافسيه.

ويواجه ساركوزي معوقات وعقبات خطيرة تتمثل، في الوقت الراهن، في أن الرفض العاطفي من قبل غالبية الفرنسيين لرجل لا يرغبون في رؤيته على شاشات التلفاز لخمس سنوات أخرى، لا يزال يتغلب على الفتور الواضح لتأييد منافسه الرئيسي في الانتخابات، فرانسوا هولاند، الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي. وعلاوة على ذلك، يعاني المجتمع الفرنسي من ارتفاع معدلات البطالة، كما يشعر الناس بقلق كبير، ولذا فإن إمكانية إعادة انتخاب ساركوزي سيكون صعبا للغاية في هذا المناخ.

ولا يزال هاجس ما حدث في شهر أبريل (نيسان) عام 2002 يسيطر على تيار اليسار، عندما أدى تشتيت الأصوات إلى الإطاحة بليونيل جوسبان في الجولة الأولى. ولذا، فإنه لا يريد تكرار مثل هذا السيناريو مرة أخرى، وسوف يتوحد خلف مرشحه بعد أن عانى كثيرا بسبب بقائه بعيدا عن السلطة.

وبعد مرور شهر، أصبح هناك حالة من عدم اليقين، وبات السباق مفتوحا على مصراعيه أمام المرشحين الأربعة الرئيسيين، وهم هولاند من اليسار، وساركوزي من اليمين، وفرانسوا بايرو من الوسط، ومارين لوبان من اليمين المتطرف. واليوم أصبح هناك منافسة تقليدية بين اليسار واليمين متمثلة في هولاند وساركوزي.

إنها منافسة أيضا بين شخصين مختلفين ونمطين مختلفين، حيث يرى كثيرون أن ساركوزي - «الفنان» في عالم السياسة الفرنسية بطريقته الصاخبة - قد أخذ «أكثر من اللازم» بعدما قضى خمس سنوات في سدة الحكم، في حين أن هناك شكوكا بشأن ما إذا كان هولاند «يكفي» ومقبولا لتلك المهمة أم لا. وفي الواقع، يعد ساركوزي زعيما بالسليقة ومثيرا للخلاف بشك غريزي، من حيث التوجه والنهج الذي يتبعه، في الوقت الذي يتسم فيه هولاند بطابع أكثر توافقية، ويرى في نفسه القدرة على العمل كوسيط.

والسؤال الآن هو: ما الذي تحتاجه فرنسا بشكل أكبر في الوقت الحالي؟ هل تحتاج إلى رجل يقول: «سوف أنقذكم»، أم لرجل يتحلى بقدر أكبر من التواضع ويقول: «سوف أساعدكم في إنقاذ أنفسكم»؟ هل تنطوي صورة «المنقذ الشعبوي» على مفارقة تاريخية؟ في الواقع، تتعلق نتائج الانتخابات الرئاسية على الإجابة على هذا السؤال.

ما هي الأولوية بالنسبة للفرنسيين؟ هل يريدون معاقبة الرئيس الذي جعلهم يفقدون مكانتهم واحترامهم وهيبتهم؟ ربما لم يكونوا ليجرؤوا على ذلك إذا لم يجدوا بديلا موثوقا به إلى حد معقول. هل هولاند، عن طريق إظهار قدر أكبر من الهدوء والإرادة والتصميم، قد مهد الطريق لرفض ساركوزي؟

ومع ذلك، لا يعني هذا أن هولاند يتمتع بشخصية كاريزمية، حيث يوجد كثير من الشكوك حول شخصيته الحقيقة بعيدا عن مظهره الخارجي الجذاب، ناهيك عن المخاوف بشأن برنامجه الانتخابي نفسه. ولكن على عكس رفيقته السابقة، سيغولين رويال، التي أطاح بها ساركوزي في عام 2007، يبدو هولاند شخصا واقعيا، حتى ولو لم يتمتع بقدر كبير من الشفافية.

وفي الواقع، يتعين على هولاند أن يتجاوز الإغراء المتمثل في تحويل الانتخابات الرئاسية إلى مجرد استفتاء على ساركوزي. وعلى النقيض من ذلك، يريد ساركوزي، الذي يشعر بعدم شعبيته، خوض المعركة الانتخابية في عالم قائم على القيم والخبرات، حيث تقول رسالته: «قد لا تروق لي كشخص، ولكنك سوف تلتزم بقيمي المحافظة، لأنك تؤمن بذلك. إنك بحاجة إلى الاستقرار والطمأنينة في عالم يتغير بسرعة كبيرة وبطريقة وحشية للغاية، وأنا أستطيع أن أجعلك تشعر بالاستقرار والطمأنينة».

ومن خلال التأكيد على الاختلاف الآيديولوجي بينه وبين هولاند، وجد ساركوزي نفسه مضطرا لمغازلة جبهة لوبان الوطنية اليمينية المتطرفة. وقد يكون لـ«استراتيجية الاقتراع الأول» مغزى من الناحية السياسية، ولكنها قد تأتي بنتائج عكسية خطيرة في الجولة الثانية، فقد ينجح ساركوزي في الحصول على أصوات اليمين المتطرف في الجولة الأولى، ولكنه قد يخسر أصوات الوسط في الجولة الثانية.

وقد يخسر ساركوزي أيضا أصوات المنتمين إلى الوسط، الذين ربما كانوا يفكرون في منحه أصواتهم خوفا من حالة عدم اليقين التي قد تسيطر على البلاد بسبب انتخاب رئيس اشتراكي، وذلك بسبب إهمال ساركوزي للقيم الإنسانية، بدءا من حقوق مثليي الجنس وحتى حقوق المهاجرين.

وفي الواقع، هناك ظلم كبير في جزء من المعارضة لساركوزي، حيث يرى كثير من الفرنسيين أنه لا يصلح للرئاسة وأنه ليس نتاجا للمدارس اليمينية، كما يتم النظر إلى حبه لارتداء المجوهرات والحلي بشكل مبالغ فيه على أنه شيء مبتذل. وعلاوة على ذلك، ينظر إليه أيضا على أنه شخص لا يمكن التنبؤ بقراراته ومواقفه، لأنه قد يغير رأيه بسرعة لأسباب سياسية نفعية.

ومع ذلك، تكمن الحقيقة في أنه يتعين على ساركوزي مواجهة ظروف صعبة للغاية، وأن سجله لا يزال بعيدا عن السلبية. وفي بداية وصوله لسدة الحكم، كانت فرنسا على رأس الاتحاد الأوروبي، وكان على قدر كبير من المسؤولية والتحدي، وظهر على الساحة كقائد ماهر.

وقد تعامل مع الأزمة الاقتصادية الخطيرة بشكل سريع وقوي، كما قام بالإصلاحات التي طال انتظارها فيما يتعلق بالمعاش وأنظمة التعليم في الجامعات. وعلاوة على ذلك، قام بدور إيجابي للغاية في ساحل العاج وليبيا. باختصار، لقد حاول ساركوزي إصلاح بلد يعاني من حالة من الشلل بشكل كبير، ولا يمكن أن يكون هو المسؤول عن ارتفاع معدلات البطالة، نظرا لعمق وخطورة الأزمة العالمية.

وحتى الآن وما لم يرتكب هولاند خطأ كبيرا يؤدي إلى انهيار مصداقيته، أو ما لم يكن هناك تفاقم حاد في الأزمة الحالية يؤدي إلى البحث عن استمرارية مطمئنة في سدة الحكم، فقد يخسر ساركوزي الانتخابات المقبلة ويصبح أحد الرؤساء الذين بقوا في السلطة لولاية واحدة فقط.

* مستشار بارز في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية

* خدمة «نيويورك تايمز»