البحث عن المتاعب

TT

في مهب رياح مناخ سياسي وأمني عاصف في الشرق الأوسط بأكمله.. آخر ما يحتاجه لبنان هو «استيراد» متاعب خارجية لا يختلف لبنانيان على أنه بغنى عنها في ظروفه الراهنة.

انطلاقا من هذا التوجس، يجوز التساؤل اليوم: ما مصلحة لبنان «اللبنانية» - ولا نقول القومية - من زيارة وزير دفاعه، فايز غصن، لإيران، في وقت تشدد فيه الأسرة العالمية إجراءات مقاطعتها للنظام الإيراني وتضيّق الخناق الاقتصادي والمالي عليه، وتسعر وتصعد انتقاداتها لبرنامجه النووي؟

إذا كان القصد من الزيارة إظهار «تحدي» لبنان للعزلة الدولية المفروضة على النظام الإيراني، فلا حجم التجارة اللبنانية مع إيران ولا ثقل لبنان الإقليمي يسمحان له بخرقها قيد أنملة.

وعليه، لماذا يصر لبنان على زج نفسه في مواجهة غربية - إيرانية لا ناقة له فيها ولا جمل.. بينما أولوياته الوطنية تقتضي الحفاظ على استقراره الاجتماعي الهش وسلمه الأهلي المترنح بين 8 و14 آذار؟

أضعف الإيمان في وضع لبنان المعلق حاليا بين «العرب والعجم» الابتعاد عن محاور النزاعات المستعرة في المنطقة والحفاظ على رأسه بانتظار «مفاجآت» مرحلة تغيّر العهود. وفي هذا السياق، قد يصح الاستشهاد بمقولة أحد حكماء أفريقيا المعاصرين، الرئيس الأفريقي الأول لزامبيا، كينيث كاوندا، بأنه «حين تتعارك الفيلة مع بعضها البعض من مصلحة الحيوانات الأصغر حجما أن تبتعد عن ساحة المعركة»، أو - حسب التعبير اللبناني المسوّق حاليا - أن «تنأى» بنفسها عن ساحة المعركة.

وإذا جاز الافتراض بأن غاية زيارة وزير الدفاع اللبناني لطهران هي الحصول على إمدادات عسكرية إيرانية للجيش اللبناني، فإن السؤال يبقى: ما مصلحة لبنان، السياسية والاستراتيجية، في أن تصبح شؤونه الدفاعية مسؤولية إيرانية إلى حد يبرر إعلان وزير الدفاع الإيراني، الجنرال أحمد وحيدي، أن «تعزيز الجيش اللبناني جزء من السياسة الاستراتيجية لإيران»؟

وحتى في حال التسليم جدلا بأن طهران مستعدة لتزويد الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد والذخيرة، فهل يضمن لبنان أن يكون السلاح الإيراني المعطى له أحدث وأفتك من السلاح الذي تقدمه طهران لـ«عميلها» المفضل في لبنان، أي حزب الله.. إلا إذا كان وزير الدفاع اللبناني توصل إلى إقناع نظيره الإيراني بأن تصبح عمليات تسليح حزب الله معلنة، وتمر بالتالي عبر القنوات الرسمية اللبنانية لا خارجها، خصوصا أن حزب الله «شريك» أساسي في الحكومة اللبنانية.

رغم ذلك، يستحيل الافتراض بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقبل بأن تظهر بمظهر من يرجح قوة الدولة الرسمية في لبنان على قوة الدولة الرديف، حزب الله، حتى وإن ارتبط بمحورها السياسي.

هذا من منظور سياسي - عقائدي.

أما من منظور عسكري محض، فالكل يعلم أن إيران تستورد التكنولوجيا العسكرية من كوريا الشمالية والصين وروسيا وتعمل على «تعديلها» بحيث تخدم احتياجاتها الدفاعية الذاتية.. مما يعني - على سبيل المثال - أن المدفع الإيراني المعدل لا يعمل إلا بالذخيرة المصنوعة في إيران، ومما يعني أيضا أن أي وقف محتمل لإمدادات الذخيرة الإيرانية للجيش اللبناني من شأنه شل سلاحه لتعذر إيجاد ذخيرة بديلة من مصدر آخر.

ما يحتاجه لبنان اليوم ليس التفتيش عن عامل مواجهة جديد مع الأسرة الدولية، وتحديدا مع الغرب، بل المحافظة على ضمانة الأسرة الدولية لاستقراره واستقلاله في مرحلة يمر فيها الشرق الأوسط بأصعب أيامه.

ولأن المصدرين التقليديين لسلاح الجيش اللبناني لا يزالان الولايات المتحدة وفرنسا، فقد تكون «الحسنة الخفية» لزيارة وزير الدفاع اللبناني لطهران تحريك «غيرة» الدولتين على دورهما، ليس فقط في تلبية احتياجات لبنان الدفاعية، بل أيضا في تجاوز ضغوط إسرائيل على تزويده بسلاح متطور.