الأمانة والصدق في تعريف الطبيب بنفسه

TT

ما نتوقعه من الأطباء أن تكون لديهم معايير أخلاقية عالية للجودة والإتقان في أداء العمل. وأولى سمات وتطبيقات هذا هو الصدق والاهتمام بالتفاصيل في أسلوب تعاملاتهم الحياتية، وبشكل أكبر في تعاملاتهم المهنية. لكن ثمة مؤشرات مثيرة للقلق في مدى تطبيق بعض الأطباء لما يُتوقع منهم في هذا الشأن.

دعونا نراجع دراستين حديثتين صدرتا في عدد مارس (آذار) من مجلة «طب النساء والتوليد» (Obstetrics & Gynecology)، تناولتا جانبا تطبيقيا مهما في تعريف الأطباء بأنفسهم عند طلبهم الالتحاق ببرامج التدريب الطبية لنيل شهادات الدراسات الطبية العليا في الاختصاصات المختلفة. ومعلوم أن الطبيب يتخرج في كلية الطب، وعليه أن يلتحق بأحد برامج التدريب الطبي كي يحصل على إحدى شهادات الزمالة المعترف بها كي يتأهل بالتالي ليصبح متخصصا ثم مستشارا في أحد أفرع التخصصات الطبية.

وضمن الوثائق التي يقدمها الطبيب للانضمام إلى برامج التدريب بالمستشفيات، ثمة أوراق تشمل تعريف الطبيب بنفسه ومسيرته التعليمية وإنجازاته التطبيقية والبحثية. وما تتضمنه هذه الوثائق من معلومات يجب دون أدنى شك أن تكون صحيحة ودقيقة. لكن ما لاحظته نتائج دراستين حديثتين صدرتا في الولايات المتحدة أن ثمة أخطاء في المعلومات التي يذكرها الطبيب عن نفسه وعن إنجازاته، مما يعتبر مخالفا للمعايير الأخلاقية البديهية التي يجب توافرها لدى الطبيب.

الباحثون من مركز «إم دي أندرسون للأورام» (MD Anderson Cancer Center) التابع لجامعة تكساس في هيوستن راجعوا المعلومات الواردة في أوراق طلبات التدريب لنحو 260 طبيبا متقدما للالتحاق ببرنامج الزمالة الطبية (fellowship program) في تخصص أمراض النساء والتوليد بالمركز المذكور في الفترة ما بين عامي 2004 و2008. ومن بين هؤلاء الـ260 طبيبا، ذكر 148 أنهم شاركوا في إجراء دراسات طبية تم نشرها في المجلات الطبية. ومما تبين للباحثين عند مراجعة مدى مصداقية هذه المعلومات التي يذكرها الطبيب للتعريف بنفسه وبإنجازاته، أن 30 في المائة من هذه الدراسات الطبية غير موجودة أصلا في المجلات الطبية المشار إلى أنها منشورة فيها، ولا يمكن تعقبها أو الوصول إليها!

وعلق الدكتور مايكل فريموفيتز، الباحث الرئيسي في الدراسة وبروفسور طب النساء والتوليد، بالقول «نأمل أن تكون هذه أخطاء غير مقصودة وليست وسيلة للتضليل. لكن في المجالات الطبية فإن للدقة في ذكر المعلومات أهمية بالغة. وحتى الأخطاء غير المقصودة لها تأثيرات سلبية كبيرة». وكان ما دفع الباحثين في مجال طب النساء التوليد للبحث في هذا الموضوع هو صدور دراسات طبية مماثلة لاحظت أن نحو 30 في المائة من طلبات الالتحاق ببرامج التدريب في تخصص الأشعة وطب الطوارئ وطب العظام وغيرها من التخصصات تحتوي على معلومات غير صادقة وغير حقيقية حول إنجازات الطبيب، المتقدم للبرنامج، في مجال البحوث الطبية.

كما قام الباحثون من جامعة واشنطن بمراجعة طلبات الالتحاق ببرامج الزمالة في تخصص النساء والتوليد لعامين متتاليين. ومن بين نحو 940 طلبا للالتحاق، ذكر 357 طبيبا أنهم شاركوا في نحو 1000 دراسة طبية، وأنها منشورة في إحدى المجلات الطبية. وتبين للباحثين أن نحو 160 من هذه الدراسات الـ1000 مفقودة وغير موجودة أصلا وغير منشورة! والأشد من ذلك أن بعض الأطباء المتقدمين ذكروا أنهم كانوا ضمن «لجنة التقييم» لدراسات طبية قبل نشرها. ومعلوم أنه قبل نشر الدراسة الطبية، يهتم بعض الباحثين بمراجعة زملاء لهم لدراستهم كي يقيموها وينبهوهم إلى مواطن الأخطاء المحتملة فيها (peer- review) وتبين أن 62 طبيبا ذكروا أنهم كانوا في لجنة المراجعة ولم يكونوا كذلك بالفعل عند التدقيق والاستقصاء في البحث!

وعلق البروفسور لي ليرمان، طبيب النساء والتوليد بجامعة إنديانا، بالقول «على الأطباء التنبه إلى أن أخطاء من هذه النوعية لها تأثيرات سلبية على مسيرة الطبيب العملية والعلمية. وكثير من المشرفين على برامج الزمالة قد يرفضون هؤلاء الأطباء نظرا لعدم الثقة في مصداقيتهم عند تعاملهم مع المرضى أو أثناء إجراء العمليات الجراحية».

إن مصداقية وأمانة الطبيب في التعريف بنفسه أساس في مستقبل التعامل معه وثقة المرضى وزملائه الأطباء فيه. وإذا كان «المكتوب يُقرأ من عنوانه» والطبيب يبدأ حياته المهنية بتدن في مستوى المصداقية والأمانة، فما هو المتوقع منه لاحقا؟

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]