المرأة التي شربت (زّقا) من العسل

TT

يتهمني القارئ العزيز (فؤاد محمد) من مصر، بأنني أحشر دائما المرأة في مقالاتي، وهذا شرف أدعيه تماما، وتهمة لا أدفعها ولا أنكرها إطلاقا، وهل هناك في الحياة يا أخي فؤاد شيء ألطف وأشيك من ذلك (الحشر)؟!

فالمرأة يا سيدي كائن مضحٍ سواء شئنا هذا أم أبينا، وقد ازدادت قناعتي تلك، عندما سمعت في الليلة البارحة بالذات امرأة تحكي لأخرى وكأنها تلقي عليها محاضرة، وهذه (الست) على فكرة محبة لزوجها وسعيدة والله يهنيها فيه، فقالت لصاحبتها وعيناها مغرورقتان بدموع الحنان: الحب (إحساس بالغير)، إن الافتتان بشخص آخر والشعور الغامض به، هما المادة الحقيقية للحب.

ثم ومن شدّة الحماس نسيت العاشقة الولهانة نفسها ورفعت صوتها وهي تشير إلى زوجها النعسان في ذلك الوقت وقالت: إن (فلان) هذا ملك حياتي كلها، إنني أتشرب كل انفعالاته وتعقيداته وكأنني أتشرب (زّقا من العسل).

وعندما وصل كلامها إلى العسل، ما كان مني إلا أن أنظر لزوجها الجالس على الكنبة غير بعيد عني فأخذت أبحث فيه عن ذلك الزق من العسل، واحترت حقا أين أجده، هل في كرشه المتضخم، أم في أجفانه المتورّمة، أم في حشرجة صوته ولكلكته عندما يتكلم؟! الواقع أنني بعد البحث والتقصي والمعاناة لم أجد هناك ولا نقطة عسل واحدة، ناهيك عن زق كامل، ولكن صحيح: للناس فيما يعشقون مذاهب!!

والآن ألا يحق لي فعلا أن أتحدث وأدافع عن المرأة ككائن مضح ويقبل برحابة صدر على العيش في هذا الكوكب مع كائن (عجيب غريب) يقال له: الرجل؟!

***

ذهبت إلى قرية ولاحظت أن أغلب أهلها يربون الأبقار، فقلت لأحد السكان: لقد لاحظت أن عدد الأبقار في قريتكم أكثر من عدد البشر، فقال: لأننا نفضل الأبقار، فسألته متعجبا: هل معنى ذلك أنكم تفضلونها على البشر؟! فهز رأسه ثم قال لي بصوت يشبه الخوار: نعم.

***

قال لي: لا أعرف فرحة أكثر من أن أسدي لأحد معروفا في الخفاء، ثم ينكشف خبره مصادفة.

فقلت له: أنت بعكسي أنا على طول الخط، فإنني لا أقدم معروفا لأحد - هذا إن قدمت - أقول: إنني لا أقدمه إلا تحت شروط شبه تعجيزّية، ثم أملأ بعدها الدنيا ضجيجا وافتخارا وعجرفة، قد تصل أحيانا إلى (معايرة) من أسديت له ذلك المعروف.

إلى درجة أن بعضهم يلعن اليوم الذي عرفني فيه.

ولا أنسى ما قاله لي أحدهم عندما طفح به الكيل، فصرخ بوجهي قائلا: الله لا يبارك فيك ولا في معروفك الذي أردت أن تذلني به.

[email protected]