الأحواز العربية في مرمى القمع

TT

منطقة الأحواز في إيران هي أرض عربية، تبدو على الخريطة وكأنها ظهر الخليج العربي، مطلة عليه ومتصلة الطرف غربا بالعراق. سكانها العرب الأقحاح يواجهون اضطهادا مستمرا منذ سيطرة الدولة الفارسية على الإقليم في عام 1925، ولا يزالون قومية مستبعدة من دائرة اهتمام السلطة الإيرانية بل وعرضة للقمع والحرمان من أبسط حقوقهم، فاعتقلوا وأعدموا بلا محاكمات، منذ عهد الشاه وحتى بعد قيام ثورة الخميني في عام 1979 وإلى اليوم.

ورغم محاولات متعددة وجادة من أبناء المنطقة للثورة على هذا الوضع الذي يعدونه بمثابة الاحتلال، لم ينجحوا حتى الآن حتى في الحصول على دعم دولي وعربي واضح ومعلن لقضيتهم. الأحواز هي عماد الاقتصاد الإيراني لأنها مركز ثروته النفطية، ومصنع إنتاجه الصناعي والزراعي، ولكن قوميته العربية تقف حاجزا منيعا ضد اطمئنان السلطة الإيرانية على وضع الإقليم، حيث إن عروبة الأحواز أعظم ذنب وأكبر تهديد في حسابات القيادة الإيرانية.

لطالما استعانت إيران بسلاح الطائفية لتفتيت المنطقة العربية وزرع الخصومات والاختلافات، استفزت العرب بالمذهبية الدينية، وهم بكل أسف وقعوا فريسة لذلك ولم يقاوموها كما يتحتم عليهم أن يقاوموها. الطائفية سلاح نافذ وسريع التأثير لأنه يستهدف المجتمع فيشغله بقضايا دينية صغيرة عن هموم الأمة الإسلامية الحقيقية في حفظ صورة هذا المعتقد العظيم في الظاهر، وذي القيمة الإنسانية الكبيرة في الباطن، من ممارسات بعض المحسوبين عليه.

سكان العرب الأحواز يبلغ عددهم 8 ملايين نسمة، منهم السنة ومعظمهم من الشيعة، متعايشون كما هو حالهم في العراق قبل الاحتلال الأميركي والإيراني، وكما في لبنان قبل أن يقفز حزب الله إلى حجرة التحكم في مصيره، لكن يد السلطة الإيرانية في الأحواز لا تستهدف بالدرجة الأولى الطائفية، في الداخل الإيراني القضية الكبيرة هي القومية، قناعة السلطة بأهمية طمس العرق العربي في الأحواز هو ضرورة ملحّة لاستقرار الدولة، تجعلها لا تتوانى عن التضييق على أبناء المنطقة بدفعهم للهجرة من خلال ترويعهم بعمليات الإعدام العلنية بلا محاكمات، والاعتقالات، وقهرهم بقطع الرواتب، وحرمانهم من التوظيف، وإذلالهم بمنعهم من لغتهم الأم. أهل الأحواز كانوا سباقين في محاولات مستمرة للثورة على أوضاعهم، ولكن كل محاولاتهم لم تفلح بسبب ضعف الحضور الإعلامي وسيطرة الحرس الثوري شبه الكاملة على الإقليم.

ولأن السلطة الإيرانية متوجسة منذ آخر انتخابات تشريعية عام 2009 من الدورة الجديدة للانتخابات التي جرت يوم الجمعة الماضي، وأمام مقاطعة شعبية واسعة للمشاركة فيها، شملت الأحوازيين؛ الشيعة منهم والسنة في الداخل والخارج الذين تنادوا بمقاطعة كاملة لما سموه خدعة الانتخابات، فقد اعتقلت السلطات من أبناء الإقليم في الأسابيع الأخيرة ما يزيد على 70 شخصا، قتل منهم 3 تحت التعذيب، ولم يسمع أحد بهذه المآسي إلا بعد تنديد المنظمات الدولية الحقوقية، وغير مستبعد أن يتعرض الأحوازيون لتنكيل أشد الشهر المقبل الذي يوافق ذكرى سيطرة الدولة الفارسية على أرضهم في أبريل 1925.

الأحواز منطقة عربية، يبذل رموزها جهودا كبيرة للترويج لقضيتهم في الدول العربية. صحيح أن سيادة أي دولة تمنع التدخل الأجنبي فيها، والمنطقة غنية بلا فخر بالقضايا التي ما إن ينبري لها السياسيون بالحل حتى تتعقد أكثر، مع هذا، لا مناص للعرب من تناول قضية الأحواز على الأقل من الناحية الإنسانية، والاعتراف بحقها المسلوب، وطرح ملفها كمنطقة عربية مأزومة.

[email protected]