صنع في تبريز

TT

تأملوا المشهد على طريقة أهل تبريز: روسيا (والصين) ترى أمامها أميركا متراجعة لا تطيق سماع كلمة تدخل. إيران تريد أن ترث كل نقطة ضعف أميركية. سوريا تعرف أن الروس يعرفون ما يريدون أن يفعلوا، وأن الأميركيين يعرفون ماذا لا يريدون أن يفعلوا.

يتدخل حسن الحظ لصالح روسيا وإيران، فالساحة السورية ساحتهما، أولا وأخيرا. وهكذا ولد تلقائيا حلف روسي (وصيني) سوري إيراني، يقاتل لأنه ليس لديه ما يربحه بل لديه ما يخسره: روسيا من دون سوريا خارج الشرق الأدنى، وإيران من دون سوريا دولة مجردة من مداها الاستراتيجي والسياسي في العراق ولبنان، بالتالي دولة مثل ما قبل الثورة.

هذه سجادة كثيرة العقد لكن لا تنس أننا في تبريز. كلما كثرت العقد، ارتفع الثمن وازدادت الأهمية. وهنا يقفز الفارق مرة أخرى: أنت تعرف العقد والزوايا والبطانة، من خيوطها. الآخرون يرون المشهد تماما لكنهم لا يعرفون شيئا عن الخيوط. والشريك الروسي مبتهج في داخله لأنه يتكل على خبرة شريكه، وعلى أن شريكه من تبريز.

والشريك من تبريز لا يخفي إطلاقا أنه صاحب السجادة. هو الذي يقرر إيقاع التفاوض وهو الذي يغمز بالثمن النهائي عندما يتعب المفاوضون، سرا وعلنا. ولذلك على سوريا أن تنتظر نتائج الحرب الدولية، وليس نتائج التدويل الذي كانت ترفضه. يجب ألا ننسى قول زعيم الدبلوماسية وليد المعلم إن أوروبا لم تعد على الخريطة، وإن أمام سوريا روسيا والصين. لم يضف إيران في تلك المرحلة لأن في ذلك إحراجا أمام العرب.

نحن في مرحلة أخرى الآن. الزوايا التي كانت غائمة في السجادة، يجري تزيينها بألوان فاقعة. إذا كانت المسألة هي الصراع على سوريا فنحن أصحاب النول. وبينما لا تجد أميركا أمامها باباً سوى «أصدقاء سوريا»، تجد روسيا (والصين) نفسها في دائرة حلفاء سوريا وشركائها. وليس مهماً ما يجري في حمص، فقد عاد الروس يتحدثون عن دورهم في القضية الفلسطينية والإيرانيون عن قدرتهم على إبادة إسرائيل.

إذن، المسألة ليست حيث هي، بل حيث يجب أن ترى. وفيما تتطلع مليا ترى سجادة تركية تحاك. وكلما حيك قسم أو زاوية أخذ الحائكون فترة استراحة وتأملوا ماذا أنجز وماذا لم ينجز بعد. ولا ينسى الإيراني أن يعرض خبرته. والروسي يذكر بجيرته القديمة. والسوريون، معارضة وموالين، يسمعون نشرة الأحوال والأهوال، ويرفضون التدويل، فيما هم في قلبه.