كوسوفو وأفغانستان.. ميلوشيفتش وطالبان: أوجه شبه صارخة!

TT

ذكرني الانهيار السريع لطالبان في شمال افغانستان بعد اسابيع من القصف باستسلام ميلوشيفتش المفاجئ عام .1999 ورغم ان الحملة العسكرية على افغانستان لا تزال طويلة فان هناك العديد من اوجه الشبه بينها وبين التدخل الدولي في كوسوفو.

عندما هاجم الاشرار الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، استنكر كل الكوسوفيين هذه المأساة البشعة، وخرجت مظاهرات حاشدة مباشرة الى الشوارع تعبيرا عن التعاطف مع الامة التي وقفت الى جانبنا في وقت الشدة. وعندما كنا واقعين تحت وطأة الهجمات الشديدة لم تهتم الولايات المتحدة وحلفاؤها من دول حلف شمال الاطلسي (الناتو) لحقيقة ان معظمنا من المسلمين، بل كان كل ما التفتوا اليه هو اننا مظلومون وان بمقدورهم مساعدتنا.

والآن تتخذ الولايات المتحدة وبريطانيا وشركاؤهما في التحالف الدولي، من جديد، موقفا صارما ضد الارهابيين الدوليين الذين يتخذون من افغانستان مقرا لهم. اما محاولة اسامة بن لادن وانصاره وصف ما يجري بأنه حرب على الاسلام فليس الا محاولة فارغة وبلا معنى، تماما كوصف الحملة الجوية التي شنها حلف «الناتو» ضد نظام ميلوشيفتش بأنها كانت حربا على المسيحية الارثوذكسية.

وعندما استمع الى تقارير الغارات الجوية الاميركية على افغانستان فانها تذكرني بغارات «الناتو» في اجواء كوسوفو. وكنا ننظر الى دول «الناتو» ابان الحملة العسكرية في كوسوفو على انها منقذتنا وحاميتنا من الاخطار التي نتعرض لها. غير ان بعض الاطراف داخل دول الحلف انتقدت حكومات بلادها على تدخلها في كوسوفو. ولحسن حظنا انه جرى تجاهل تلك الاصوات ونجا شعبنا من الوقوع في اسر كارثة محققة.

وكانت غارات «الناتو» بالنسبة لالبان كوسوفو المحصورين داخل بلادهم تعني الامل بمستقبل يستردون فيه حريتهم من الاستبداد والخوف. وكنا متأكدين ان القصف لو توقف فان ميلوشيفتش سينتصر وندفع نحن ثمنا باهظا. لذلك فان اوجه الشبه صارخة بالنسبة لالبان كوسوفو بين الانتقادات التي لاقتها حملة «الناتو» في بلادهم والعمليات العسكرية الجارية الآن في افغانستان. فعندما رفض ميلوشيفتش اعلان استسلامه بعد ايام قليلة من القصف علت اصوات المنتقدين الزاعمين بفشل الحملة العسكرية وخطلها. ولم احسب ابدا ان يتخلى ميلوشيفتش عن كوسوفو بعد عملية قصف محدودة، وبسبب هذه التجربة لم اعتقد ابدا ان الحملة على افغانستان ستستغرق بضعة ايام. غير ان ذلك لا يعني اني كنت اشك في صحة الاستراتيجية العسكرية للتحالف، بل على العكس فان تجربة كوسوفو تكشف لنا عن ان النصر عندما يأتي يأتي سريعا. وما جرى من احداث خلال الايام القليلة الماضية يؤكد ذلك.

من الانتقادات الاخرى التي شهدتها حملة «الناتو» الجوية على كوسوفو خلال ذلك الوقت الزعم بأنها افضت الى كارثة انسانية هناك. ونجد ان الناس اليوم يكررون الامر نفسه حيال الحملة العسكرية على افغانستان. غير ان ما يغفل عنه الكثيرون هو ان الكارثة الانسانية سواء في كوسوفو او في افغانستان بدأت قبل وقت طويل من الحملات العسكرية على هذين البلدين. ففي كوسوفو نزح آلاف الناس عن اراضيهم تحت وطأة تهديد قوات ميلوشيفتش قبل عام من حملة «الناتو». والصورة اوضح في افغانستان اذ ارغم اكثر من 4.5 مليون افغاني على الفرار من بيوتهم خلال سنوات طوال من الحرب قبل 11 سبتمبر. كما لم يدرك كثيرون ان العمل العسكري هو الطريقة الوحيدة لخلق ظروف مناسبة في كوسوفو، وفي افغانستان على ما اعتقد، لحل الكارثة الانسانية. فبعد الانتصار الذي حققه القصف الجوي لناتو تمكن نحو مليون من الالبان النازحين عن كوسوفو من العودة الى وطنهم وبناء بيوتهم من جديد في ظل اجواء نسبية من السلم. ولولا تصميم وتدخل ناتو لكان عشرات الالاف من هؤلاء لا يزالون يعيشون في معسكرات لاجئين موزعة في ارجاء اوروبا.

اما الفرصة الوحيدة لعودة 5،4 مليون لاجئ افغاني الى بلداتهم وقراهم فتتمثل في مساعدة الولايات المتحدة وحلفائها في خلق الاجواء المناسبة لذلك بقيام حكومة افغانية مؤهلة وممثلة للشعب الافغاني وترغب في العيش بسلم. وعندها فقط تتمكن منظمات الغوث الدولية ووكالات التعمير من العمل بحرية والمساعدة في اعادة تعمير البلاد.

بيد ان الشك يساور الكثيرين في العالم الاسلامي حيال ان كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها ملتزمين حقا بما يلزم من اعباء ونفقات باهظة لاعادة تعمير افغانستان ونهوضها من جديد. ولا املك هنا الا الحديث عن تجربتنا في كوسوفو، اذ ان بريطانيا واميركا وحلفاءهما لم يتركونا وحدنا في الميدان بعد انتهاء حملة ناتو، بل استثمر المجتمع الدولي خلال العامين الماضيين اكثر من 5،1 مليار دولار للانفاق على مستقبل كوسوفو، اي حوالي 750 دولاراً لكل شخص يعيش هنا.

ان الواقع الممض يفرض علينا احيانا اللجوء الى القوة العسكرية لحماية حقوق الانسان وتثبيت حكم القانون. ولقد وضع استخدام القوة العسكرية حدا لاربع سنوات من المعاناة في البوسنة، واوقف التطهير العرقي الذي كان قد بدأ في كوسوفو على نطاق ضخم في عام 1998، كما مكن قوات «الناتو» من جلب العديد من المتهمين بارتكاب جرائم حرب في يوغوسلافيا السابقة الى محكمة العدل في لاهاي.

ان استخدام القوة العسكرية في السعي وراء تحقيق اهداف عادلة وانسانية يمثل الاخذ بخيارات اخلاقية متشددة. ولكني اعتقد بصواب لجوء الولايات المتحدة وحلفائها الى استخدام القوة في افغانستان. فكيف يمكن محاسبة اسامة بن لادن وقادته عما اقدم عليه واعترف به حتى المتحدثون باسمه من هجمات في 11 سبتمبر؟ وكيف يمكن وضع حد لرعاية طالبان للارهاب؟ وكيف يمكن لافغانستان ان تأخذ مكانها بين الامم في المجتمع الدولي؟ ان كل المعارضين للعمل العسكري في افغانستان لا يمتلكون اجابات مقنعة على تلك الاسئلة.

بالتأكيد ليس هناك من يرغب في ان تطول الحملة على افغانستان اكثر مما يجب، فاستخدام القوة لم يكن خيارا محببا في اي يوم من الايام، كما انه يتطلب من حلفاء اميركا مواجهة خيارات صعبة. ولكني اعتقد ان على زعماء العالم واجب توضيح ما سيجري في حال عدم التصدي لتنظيم «القاعدة» وايقافه عند حده. فهذا النزاع ليس بين المعتدلين والمتشددين من المسلمين، ولكنه مشرع ضد كل من يريد اغلاق الباب في وجه تقدم عالمنا.

وينبغي علينا الا ننسى ان الولايات المتحدة وحلفاءها لا يعملون لمجرد حمل المسؤولين عن بشاعات 11 سبتمبر على دفع ثمن فعلتهم، بل انهم يواجهون قوى التطرف ويحمون عالمنا الحديث منها، وهم يستحقون الشكر منا على هذا.

* رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي في كوسوفو ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»