أفغانستان على أبواب البلقنة

TT

خلال خمسة أيام استرجع التحالف الشمالي من الأراضي الأفغانية، ما عجز عن استرجاعه خلال أكثر من خمس سنوات. من هنا، يصعب على التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة اقناع قادة التحالف الشمالي بالتعقل واعتماد المنطق في كل ما يقدمون عليه.

منذ استرجاع مزار الشريف وحتى كابول، سارت الأحداث بسرعة مذهلة ومن دون أية مواجهات. كان هناك نوع من الوضوح، لكن بعد ذلك، بدأ الكثير من الغموض يغلف ما يجري في جنوب وشرق أفغانستان، إذ «تؤكد» تقارير سقوط جلال أباد (حيث مخيمات تدريب القاعدة) على أيدي زعماء قبائل محليين من الباشتون، و«تضيف» تقارير أخرى، تدعمها تصريحات حميد كارزاي (الزعيم الباشتوني المعارض للطالبان)، بأن عصياناً مسلحاً ضد الطالبان بدأ في معقلهم قندهار.

غموض الموقف هذا، اضافة الى تناقض التقارير، يسبب القلق من «بلقنة أفغانستان وبداية تفككها، رغم انه في الوقت نفسه يوفر فرصة مهمة للدول التي تقول انها حريصة على مستقبل تلك البلاد، للاسراع في اتخاذ خطوات حاسمة، فالأمم المتحدة أقرت ضرورة ارسال قوات الى افغانستان، لكن ما زال على واشنطن ولندن دراسة تفاصيل انتشار هذه القوات وتوقيت دخولها، وما اذا كان على القوات البريطانية التي وضعت على أهبة الاستعداد، ان تتواجد في كابول. كل هذا يؤكد الضغوط المبذولة من أجل تشكيل ادارة تحل محل الطالبان قبل ان تتفكك أفغانستان.

يقول التحالف الشمالي انه مستعد للتعاون مع جهود الأمم المتحدة، لكنه في الوقت نفسه يوجه الدعوات الى ممثلي المجموعات الأفغانية للمجيء الى كابول. ومن المؤكد ان قادة التحالف الشمالي السياسيين يريدون الحصول على مكاسب وصولهم الى كابول. لكن الخطورة بدأت في عودة الانقسامات الى صفوف هؤلاء القادة، والى المنافسة بين زعماء القبائل المحليين في جنوب افغانستان.

الآن، اذا تأخرت الأمم المتحدة عن تطبيق خطة انقاذ أفغانستان، واذا تشرذم قادة التحالف الشمالي وتصارع زعماء القبائل في الجنوب، فان افغانستان يمكن ان تتقسم إثنياً، فيبقى عبد الرشيد دوستم الأوزبكي في مقاطعة سمانغان (عاصمتها مزار الشريف) واسماعيل خان في مناطق الهزارا الشيعية، والجنرال فريد في وادي بانشهير، ويفتتون شمال كابول الى أقسام، لكل عرق قسم، على أساس ان جنوب كابول ذو اغلبية باشتونية، وعندها ستعود المجازر والانتقامات، ويتأكد معها المثل القائل: من الصعب القضاء على العادات المتأصلة.

أما في الجنوب، فقد يخسر الطالبان قندهار، وقد لمح الى ذلك زعيمهم الملا عمر في حديث الى اذاعة البي. بي. سي (الخدمة الباشتونية)، فهو قال انه سيبدأ اولاً بتطهير صفوف الطالبان من الخونة! بعدها سينصرف الى تنفيذ المهمة الكبرى «والتي هي أبعد من فهم الناس العاديين». وأوضح الملا عمر الخطوط العريضة لخطته الكبرى التي ليست متعلقة بأنواع الأسلحة، قال: «اننا نتطلع الى مساعدة الله. لأن المهم هو انقراض اميركا، وان شاء الله، فان اميركا ستتهاوى على الأرض».

ولمح الملا عمر الى انه غير مهتم بما حققه التحالف الشمالي من استرجاع للأراضي، «لقد كان هناك زمن لم نكن نملك أي مقاطعة في أفغانستان ثم امتلكناها كلها وأضعناها خلال أسبوع واحد».

المهم، ان الملا عمر، وهو في المعارضة الآن، مثله مثل التحالف الشمالي الذي يكاد ان يصل الى الحكم، يرفض حكومة الوحدة الوطنية الموسعة: «ان الصراع من أجل تشكيل حكومة أفغانية موسعة مستمر منذ عشرين سنة، ولم يأت بنتيجة».

بهذه الكلمة الصريحة، اختصر الملا عمر وضع كل الاثنيات في أفغانستان، إذ لا يرغب أي فريق في المشاركة مع فريق آخر.

نجحت الأمم المتحدة، أم لم تنجح، يبدو ان بلقنة أفغانستان بدأت، فالصراع الإثني كان مطموراً وسيشتعل قريباً، وقد يجد فيه أسامة بن لادن الملجأ المثالي.