مسابقة في الإنشاء.. وسباق في الدماء

TT

تذكر هذه المشاهد في حرب لبنان.. قوافل الإغاثة الممنوعة من الوصول لكي لا ترى ما لا يُرى.. الدمار والعويل.. المؤتمرات التي لا يصل مفعولها إلى المستشفيات والمقابر، سواء أعقدت في المحيط أم في الخليج.. الصراع الأميركي – الروسي (السوفياتي سابقا) المكشوف.. الدبلوماسية الأوروبية البلاغية وغير البالغة.. الدبلوماسية الصينية الخطابية.. الأمم المتحدة الحانقة من نفسها، والباحثة عن دور ومكان وسط الزحام.. والقوة العسكرية على الأرض لا تتوقف عن القصف «بمدافع غير مرتدة».

كان هناك باب مسدود وخلفه دماء، فأصبح هناك أفق مسدود وكله دماء. عبر النظام خط العودة إلى المصالحة والحوار. دخل الموت كل المدن، والحزن كل البيوت. لم تعد هذه صور الثورة والاحتجاج و«العصابات المسلحة». هذه اسمها، كما قلت قبل أشهر، الحرب الأهلية. ليس هناك اسم آخر لهذا الحجم من القتل والكارثة والأسى والخراب.

دعونا لا نبحث عن عناوين ملطفة لصور تحمل كل هذه الفظاعة والأسى. مائة ألف لاجئ ليسوا رقما عاديا، ومائة ألف معتقل ليسوا رقما بسيطا، وعشرة آلاف قتيل يعنون مقبرة جماعية وحزنا وطنيا وفاجعة عالمية بعجز العالم عن وقف الدم في سوريا.

لماذا يعجز العالم؟ لأن سوريا، مثل لبنان من قبل، أصبحت ساحة صراع ولم تعد مأساة إنسانية كبرى، لأن القوى أصبحت تتطلع إلى سوريا وتحصي مكاسبها وخسائرها هي، وليس خسائر وكوارث سوريا، ولأن الأصوات التي علت في البداية، من خطب رجب طيب أردوغان إلى تصريحات هيلاري كلينتون عن «تسليح المعارضة»، انقلبت إلى تراجعات متسربلة بما سبق.

نحن، هنا في لبنان، نعرف أكثر من سوانا ماذا يعني المشهد المأساوي المريع والمشهد السياسي البارد، ما بين موسكو وواشنطن، واللغو الصيني المتأخر عن خمسة آلاف قتيل، على الأقل، لكن الفارق أن الدولة هنا، كما هي الآن، لم يكن لها وجود، في حين أن الدولة في سوريا هي التي تدك حمص، وهي التي تمنع قوافل الإغاثة من الوصول إلى مناطق الموت والعذاب.

هل يشكل هذا الموت كله «انتصارا» على «العصابات المسلحة»، أم حفرة لا تُردم في أرض سوريا؟ كيف سيتعايش النظام مع انتصاره؟ وكيف ستتعايش أميركا وتركيا وروسيا مع تبدلاتها في سوريا، بينما الدماء وحدها لا تتبدل؟ صورة مليئة بالحزن والمرارة وعلى طرفها طرافة غير مسلية: اللغو الصيني الذي يشبه مواضيع الإنشاء المدرسية.