فك شفرة رسالة أوباما عن إيران

TT

متى يكون الخداع ليس بخداع؟ ربما يكون ذلك عندما تخاطب صحافيا قائلا: «بوصفي رئيسا للولايات المتحدة، فإنني لا أخادع».

الأساسيات في لعبة الدجاج (الموقف الذي تهدد فيه دولتان إحداهما الأخرى إلى أن ترضخ إحداهما لمطالب الأخرى) معروفة جيدا: الرئيس باراك أوباما لا يرغب في شن هجوم على إيران، لكنه لا يرغب بالمثل في أن تهاجم إسرائيل إيران؛ لذلك قبيل اجتماعه يوم الاثنين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أدرك أوباما أن عليه اتخاذ إجراء غير معتاد من أجل إضفاء قالب درامي على استعداده للقيام بعمل عسكري، على طول الطريق، في حالة عجز إجراءات عقابية أخرى عن إثناء إيران عن امتلاك سلاح نووي.

وقع اختيار أوباما على الأسلوب الجذاب المتمثل في تضييق نطاق خياراته بشكل متعمد، على الأقل الصياغة الرسمية لها، في مقابلة أجراها مع الصحافي جيفري غولدبرغ من مجلة «أتلانتيك» ونشرت يوم الجمعة. كان أوباما على أكبر درجة من الحزم والوضوح، وكانت طريقة بارعة أن يتواصل، على نحو يستعصي على نتنياهو فهمه، مع شخصية إسرائيلية تشك في إخلاصه وحزمه.

كانت أكثر تعليقات أوباما التي جذبتني هي تلك التي سعى من خلالها لتقديم تعهدات بشأن إجراء أميركي مستقبلي – وتوضيح سبب كونها خيارات سياسية سديدة لا بالنسبة لإسرائيل فقط، وإنما أيضا للولايات المتحدة.

يعتبر هذا جزءا جوهريا من رسالته الموجهة لإيران وللعام بأسره: إظهار أنه ليس مدفوعا من قبل إسرائيل لتقديم هذه الوعود، لكنه يقدمها لأنها عقلانية ومعقولة بالنسبة للولايات المتحدة.

كان السطر الحاسم في المقابلة هو: «سوف نستمر في ممارسة ضغوطنا على إيران إلى أن تحيد عن نهجها».

ينطوي هذا على نية الاستمرار في تصعيد العقوبات الاقتصادية وزيادة أعمال التخريب، وغيرها من الأعمال السرية الأخرى، إضافة إلى زيادة الضغط على الحلفاء ودول الجوار، وفي حالة ما لم يجدِ كل ذلك نفعا، سيشن الجيش الأميركي هجوما على منشآت نووية إيرانية، وهو ما من شأنه أن يلحق بإيران قدرا من الأضرار أكبر بكثير مما يمكنه أن يحدثه هجوم من قبل إسرائيليين.

وعندما سأل غولدبرغ عما إذا كان أوباما سيتبنى الموقف نفسه في حالة ما لم تكن إسرائيل في الصورة، أوضح أوباما أن سياسته قائمة على المصالح القومية البراغماتية للولايات المتحدة، على نحو يتعارض مع الأعمال الخيرية نيابة عن أحد حلفائها المحتملين على المستوى السياسي: «هذا عمل في صالح الأمن القومي للولايات المتحدة والمجتمع العالمي»، قال أوباما، وأضاف لاحقا: «إنني لا أقول إن هذه مشكلة نود حلها، بل أقول إنها مشكلة يجب أن نحلها».

من خلال إرساء تعهده على قاعدة من «الواقعية» والصالح الوطني للولايات المتحدة، أعتقد أن أوباما قد جعله أكثر معقولية. «لا يوجد مبرر وجيه يدفعني للشك في هذه القضايا» قال أوباما – ادعاء مشكوك فيه قبل المقابلة التي أجراها مع غولدبرغ، في الوقت الذي يبدو فيه أقل إثارة للشك بعد المقابلة.

كانت النقطة الأخرى التي أثارتني هي وضوح أوباما بشأن وضع «خط أحمر» بين برنامج نووي مدني إيراني (أمر مقبول) وبرنامج أسلحة (أمر غير مقبول). وتتمثل قضية محورية في هذا الصدد فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستستشعر تهديدا استراتيجيا يدفعها إلى اكتشاف تحول من جانب إيران من برنامج نووي مدني إلى برنامج أسلحة.. رد أوباما بالإيجاب قائلا: «إيران لم تمتلك بعد سلاحا نوويا، كما أنها ليست بعد في وضع يكفل لها امتلاك أسلحة نووية من دون أن تتوفر لنا مهلة طويلة بالقدر الكافي لاكتشاف ما إذا كانوا يقومون بتلك المحاولة بالفعل أم لا».

كانت رسالته لإسرائيل هي: إذا تجاوز الإيرانيون هذا الخط الأحمر، فسوف تشن الولايات المتحدة هجوما. وشرح في موضع آخر أن أسلوبه «يعتمد على اتخاذ الإجراء اللازم بصرف النظر عن إمكانات التحول المحتمل التي ربما يملكها الإيرانيون».

هل أوباما يخادع؟ من يمكنه أن يجزم؟ لكن لو كنت صانع قرار إيرانيا (أو الأكثر أهمية، نتنياهو)، فعليك أن تقيم وزنا أكبر لاحتمالية أن الرئيس يعني فعليا ما يقوله.

* خدمة «واشنطن بوست»