رعاك الله يا أم الدنيا

TT

كتب لي السيد علاء جمال يعلق على كثرة كتابتي عن مصر ويتساءل: أيعود ذلك لما يشعر به أي عربي من متعة في الكتابة عن مصر والتحدث عنها؟ ملاحظة جيدة وتساؤل حكيم والسؤال من علامات العلماء. وجوابي جواب البسطاء ينشطر لشطرين؛ الأول أن مصر تحتل مكانة رأسية في العالم العربي، فهي أكثر الدول العربية سكانا وقوة، وتتمركز في قلبها بحيث تربط الآسيوية منها بالأفريقية. وكانت الدولة الرائدة في عملية النهوض بحيث رحنا جميعا نقتفي خطواتها ونتعلم منها. وفيها طبعا الأزهر، منجم الفكر الإسلامي، ومحج الدارسين من سائر أركان عالم الإسلام. وهذا يفرض على كل من يكتب وينظر أن يجعلها نصب عينيه في ملاحظاته واستقراءاته.

الشطر الثاني هو أن أرض الكنانة، أم الدنيا، أرض طيبة، شعبها وديع وظريف. ومن ظرفه ظرف كتابه بما يفيضون به من حلو الكلام ونفائس النكات والطرائف والمداعبات. النكتة المصرية مصدر وحي لكل المنكتين العرب، وأنا منهم. فلا تعجب يا سيدي علاء أن تجدني أكثر القول عن مصر وأمعن حتى في استعمال مفرداتها العامية.

وأنتهز الفرصة لأوجه كلامي لكل إخواني العرب. لا يكفي تأييدنا لدول الربيع العربي بالكلام. علينا أن ندعمها بالعمل أيضا. يعتمد اقتصاد تونس ومصر على السياحة، مصدر رزق الكثيرين من مواطنيها. وقد تأذى هذا القطاع بالربيع العربي. فهل من دعم لهما أفضل من قضاء إجازاتنا ونزهاتنا والقيام بأنشطتنا ومشاريعنا فيهما بدلا من دعم اقتصاد أوروبا باصطيافنا فيها؟

يسألني عبد الله الشهري وشمل العقراوي وغيرهما عن مؤلفاتي، أين يستطيعون الحصول عليها؟ يقول الشهري، لماذا لا تضعها على الإنترنت لنحصل عليها؟ كلام معقول. وأنا ككاتب ما زال يؤمن بالتزام الأديب وخدمة المجتمع، بدأت باتباع نصيحتك. يمكنك الآن أن تقرأ آخر ما نشر لي: «فكاهات الجوع والجوعيات» في مدونتي alqishtainy.blogspot.com، ويمكنك طبعها من المدونة.

هموم العراق تطفح في كل ساحة ومناسبة. من آخرها ما قرأته في رسالة القارئ الفاضل إياد عبد العزيز. كتب من تركيا يقول إنه يشعر بالتنصل من العراق. لا يريد مواصلة الانتماء إليه. حدثني يا أخي إياد، كيف نجحت في ذلك. كيف خلصت فكرك من العراق؟ اذكر لنا ذلك ليقرأ عليك ألوف العراقيين آيات الشكر والدعاء بالخير والبركة. أنا تركت هذا البلد المأساوي منذ خمسين سنة، وما زال لاصقا بأذيالي حيثما مشيت أو جلست، «لصقة قيرة سودة بزبون أبيض»، على قول أهل ذلك البلد. تزوجت بأجنبيات، وظلت المرأة العراقية تشغل بالي وخيالي. درست الموسيقى الغربية وترددت على دور الأوبرا والباليه ولكنني بقيت أرنم وأطنطن بلحن «عمي يا بياع الورد قل لي الورد بيش؟» كلما دخلت الحمام أو استلقيت في هايدبارك. وكلما جلست على شواطئ نهر التيمس وجدت نفسي أردد كلمات الجواهري «يا دجلة الخير، حييت سفحك من بعد فحييني، يا دجلة الخير يا أم البساتين».

أفدني أفادك الله بالخير، كيف تخلصت من هويتك العراقية؟