بلاد الأناضول

TT

تعددت أسماء وألقاب هذا الشرق منذ العصور القديمة. الأغارقة سموه «أناتوليا»، أي شروق الشمس، ومن هنا اسم الأناضول، أو ما سماه العرب بلاد الأناضول، والإيطاليون سموه «ليفانت» أو طلوع الشمس، أو المشرق، واتخذت الكلمة دلالة الاحتيال والتشاطر والمساومة. ثم في العصور الحديثة سمي الشرق الأدنى والشرق الأوسط، وأعطاه كل فريق الخريطة التي يشاء.

من هذا «الشرق» نتجت مشاكل وحروب لا حدود لها، وعنها أيضا نتجت تسمية ظلت في التداول على مدى عقود، هي «المسألة الشرقية». وتحت هذا المسمى وقعت قضايا شتى، منها فسيفساء المنطقة، ولكن للاختصار والحصر كانت «المسألة الشرقية» تعني انتصار الإمبراطورية ثم صارت تعني هزيمتها. كيف يتصرف العالم (أوروبا يومها) إذا بقيت منتصرة وكيف إذا هزمت. ما هي تداعيات التقدم التركي في أوروبا وما هي تداعيات التراجع.

استخدم الأستاذ فاروق الشرع مصطلح «المسألة اللبنانية»، قائلا «لا بد من حل المسألة اللبنانية»، أولا، في إشارة لاذعة إلى عُقَد لبنان، وتلميح بأن مشكلته لا تحل. فهو فسيفساء، حسنتها التعدد وسوءها الكبير تعدد الخلافات والنزاعات التي لا يمكن ضبطها.

لم يكن يخيل إلى السياسي والمفكر السوري، ولا إلى من سواه، أننا سوف نصل يوما إلى المسألة السورية التي واجهت أوروبا وأميركا كما واجهتها «المسألة الشرقية» من قبل: ماذا إذا انهار النظام وماذا إذا صمد.

جميع التعابير التي استخدمتها أميركا وأوروبا والأمم المتحدة في انتقاد النظام السوري، تحاشت إدانته بما يعني قطع الصلة نهائيا معه. وكل التأييد للمجلس الوطني المعارض لم يصل إلى الاعتراف به. وإغلاق السفارات العربية والأوروبية وحتى السويسرية المحايدة، لم يصل إلى درجة سحب الاعتراف. فقد كان لا بد من إبقاء قنوات مفتوحة خوفا من مواجهة السؤال الأخير: ماذا إذا انتصر وماذا إذا انهار.

تبقى القنوات مفتوحة من أجل الحد من الخسائر وتخفيف الأضرار على الناس وحصر التداعيات السياسية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية. تركيا كانت أكثر من يعرف معنى «المسألة الشرقية» أو معنى النزاع الذي يتحول إلى «مسألة»، أو مشكلة شديدة الأثر والتعقيد. ولذلك، بدأت في مكان وانتهت في آخر. بدأت برؤية المشكلة في سوريا ثم رأت كيف يمكن أن تتداعى عليها. فالفسيفساء الشرقية لم تتغير منذ أن أطلق الإغريق على هذه المنطقة بلاد الأناضول. أو الشرق.