أوباما بين خيارات اقتصادية.. أحلاها مر

TT

في شتاء 2009، كان اقتصاد الولايات المتحدة آخذا في الانكماش. وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2008 تقلص الاقتصاد بمعدل سنوي نسبته 8.9%، وهو أكبر هبوط يشهده خلال أكثر من نصف قرن. وقد تراجع الاقتصاد بنسبة 6.9% في الربع التالي من العام نفسه. وفي فبراير (شباط) 2009، خسرت الدولة أكثر من 5 ملايين وظيفة.

نحن نعلم ما فعله الرئيس أوباما؛ ففي فبراير ضغط على الكونغرس من أجل تمرير القانون الأميركي للانتعاش وإعادة الاستثمار، وهو عبارة عن حزمة تحفيز مالي حجمها 831 مليار دولار، تهدف إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات من أجل تحفيز النمو ووقف دورة الهبوط.

ولم يقُم بالتصويت على مشروع القانون سوى 3 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ – هم: سوزان كولينز وأوليمبيا سنو وأرلين سبكتر (الذي تعين عليه نتيجة التصويت أن يغير الأحزاب). ومنذ ذلك الحين، أدان الجمهوريون القانون بوصفه كارثة مروعة.

«هذه السياسات جعلت أزماتنا الاقتصادية تزداد سوءا»، هذا ما كتبه رئيس مجلس النواب، جون بوينر، في وقت سابق من هذا الشهر بمناسبة الذكرى الثالثة لسن القانون. إنهم «تركوا ملايين الأميركيين من دون وظيفة وجعلوا المستقبل الممثل في الديون المقوضة لفرص العمل أكثر ترويعا لأطفالنا وأحفادنا».

لا يبدو الهجوم متوافقا مع اقتصاد يبدو مؤخرا أنه يحقق نوعا من الانتعاش. بنهاية العام الماضي، انتعش الاقتصاد ليصل إلى أقصى حجم له في عام 2007، قبل حدوث الركود. وينمو معدل التوظيف بثبات، لكن بدرجة متواضعة في الوقت نفسه. وسجل معدل البطالة نسبة 8.3%، ليهبط عن نسبة 10% سجلها في أكتوبر (تشرين الأول) 2009.

الأمر الذي ربما يكون أكثر خداعا هو أن هجمة بوينر تطرح على السطح تساؤلا هو: هل كانت هناك خيارات أكثر معقولية؟ وهل كان من الممكن أن تساعد في إصلاح الاقتصاد عما قريب؟

بمختلف أنحاء العالم، كانت الحكومات تحاول تحفيز اقتصاداتها – على مستوى كل من تيار اليمين وتيار اليسار، الحكومات الديكتاتورية المستبدة والديمقراطيات البرلمانية على حد سواء - ومع مطلع عام 2009، أعلنت الصين عن سياسات تحفيز يعادل حجمها 4.8% من ناتجها المحلي الإجمالي. ووضع الألمان المتقشفون إجراءات تقدر بنحو 3.4% من إجمالي الناتج المحلي من أجل زيادة حجم الطلب المتدني. وتوصلت دراسة نشرها مصرف الاحتياط الفيدرالي في نيويورك إلى أنه بلغ متوسط نسبة الحافز المالي في مجموعة تضم 40 دولة، بينها دول متقدمة وأخرى نامية، أقل من 3% من إجمالي الناتج المحلي.

كانت هناك بدائل؛ فبعد تجربة مبدئية لحزم تحفيز حكومية في عام 2009، غيرت الكثير من الدول الأوروبية مسارها، وقلصت ميزانياتها من أجل محاولة استعادة توازنها المالي، متوقعة أن يُطمئن هذا الشركات والمؤسسات والمستثمرين إلى أن أموال الحكومة تحت السيطرة وأن يمنحهم الثقة المطلوبة للاستثمار ودفع عجلة الاقتصاد، لكن حتى الآن، ثبت كون هذه السياسات كارثة وخيمة.

ربما تقدم بريطانيا - التي لها عملتها الخاصة وتتمتع بأسعار فائدة منخفضة - أفضل نظير للولايات المتحدة. وفي عام 2010، تولت الحكومة الائتلافية التي يترأسها ديفيد كاميرون منصبها، واعدة بإلغاء سياسات التحفيز التي انتهجتها سابقتها. وقامت بخفض النفقات بمختلف قطاعات الإدارة، مطالبة الوزارات والإدارات الحكومية بتقليص ميزانياتها بنسبة تتراوح بين 25 و40%، وبهذا قضت تماما على بوادر الانتعاش الاقتصادي الأولية في بريطانيا.

وبنهاية العام الماضي، كان حجم الاقتصاد البريطاني لا يزال أقل بنسبة 4% مما كان عليه قبل بدء حالة الركود منذ 4 أعوام. ومن المتوقع أن يتقلص بدرجة أكبر هذا العام. وحتى بعد تخفيضات الميزانية، زاد حجم ديون الحكومة بدرجة أكبر، مقارنة بحجم الاقتصاد، عما كان عليه عندما تولى كاميرون منصبه.

وبالمقارنة، فعلى الرغم من انتقاد حجمها وعناصرها من قبل تياري اليمين واليسار، فإن حزمة التحفيز المقدمة من إدارة أوباما زادت من عدد الوظائف ومن معدل النمو. وتشير تقديرات مكتب الميزانية التابع للكونغرس إلى أنها سوف تسهم في توفير 1.6 مليون وظيفة على الأقل، وربما 8.4 مليون وظيفة بحلول عام 2013.

وفي هذا العام، أجرت كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو استطلاع رأي لمجموعة خبراء اقتصاديين من أطياف سياسية متباينة حول تأثير حزمة التحفيز المقدمة من الرئيس الأميركي: أشار 8 من 10 خبراء إلى أنها قد أسهمت في خفض معدل البطالة في أواخر عام 2010. غير أنه لم يكن هناك إجماع حول ما إذا كانت الأرباح المحققة منها ستتجاوز تكاليفها طويلة الأجل، التي من بينها فرض ضرائب أكبر لسداد النفقات. غير أنه لدى السؤال عما إذا كانت تلك السياسة تستحق تكبد تلك التكاليف، أجمع 4 أضعاف هؤلاء الاقتصاديين على أنها لا تستحق التكاليف.

وبشأن الأطفال الذين تضرروا جرَّاء الديون، لا توجد سياسة اقتصادية معقولة يمكن أن تمنع حدوث تضخم في عجز الميزانية. وقد بلغت تكلفة حزمة التحفيز المالي التي قدمها الرئيس أوباما في فبراير 2009 ما يعادل نحو 5% من الناتج السنوي للدولة، الذي تم إنفاق معظمه خلال 4 سنوات. ومع محاولات أخرى من جانب إدارة أوباما لدفع الطلب – بدءا من خفض ضريبة الرواتب وتوسيع نطاق إعانات البطالة إلى وضع برنامج لتشجيع السائقين على شراء سيارات موفرة للوقود – زادت التكلفة لتصل إلى 1.25 تريليون دولار، التي تعادل، في المتوسط، نحو 2.1% من الناتج السنوي للدولة في الفترة من 2009 إلى 2012.

وفي الوقت الذي لا تعتبر فيه هذه تكلفة زهيدة، فإنها تمثل حصة صغيرة من عجز الميزانية، الذي زاد على نسبة 10% من إجمالي الناتج المحلي للدولة في عام 2009 وظل ثابتا عند نسبة 8.7% العام الماضي، متضخما بفعل الهبوط السريع في الإيرادات الضريبية والنفقات الإجبارية، مع انجراف الدولة إلى حالة كساد وارتفاع في معدل البطالة.

ويقول كينيث روغوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، الذي قد ألف الكثير من الكتب عن الأزمات المالية وتبعاتها، إنه يعتقد أنه ليس من المرجح أن يحقق مسار بديل نتيجة أفضل بكثير. وبالنظر إلى عبء الديون الضخمة الملقى على عاتق الأسر الأميركية، يقول إن نمط النمو المحدود والمتقلب والعجز المتزايد في الميزانية «كان سيحدث، لا محالة، تحت أي قيادة».

بالطبع، كان الجمهوريون سيتعاملون مع حزمة التحفيز الاقتصادي بصورة مختلفة – بزيادة التخفيضات الضريبية وخفض النفقات الحكومية. ربما كانت حزمة تحفيز قُدمت من أحد الجمهوريين في عام 2009 أصغر حجما، وأكثر تركيزا على التخفيضات الضريبية وحوافز الاستثمار من قبل التجارة، مع تقليل التركيز على توسيع نطاق التأمين ضد البطالة أو التحويلات للولايات المتعثرة.

وهذه الفروق ليست بسيطة. من المحتمل ألا تحقق حزمة التحفيز المطروحة قيمة كبيرة توازي الاستثمار أو الجهد المبذول. يقول معظم الاقتصاديين إنهم يعتقدون أن التخفيضات الضريبية والخصومات لم يكن من المرجح أن تحقق مبيعات جديدة عن النفقات الحكومية المباشرة؛ نظرا لأن الأسر الغارقة في الديون كان من المرجح أن تسعى للحفاظ على مكاسبها الشخصية.

غير أنه ليس من السهل إغفال حقيقة أن حزمة تحفيز أوباما لم تكن الأولى من نوعها؛ ففي مطلع عام 2008، قدم جورج بوش الابن حزمة إنقاذ حجمها 170 مليار دولار لإنعاش اقتصاد كان يشهد بالفعل تراجعا مع انهيار فقاعة الإسكان، كذلك قدمت إدارة بوش مسودة بأول حزمة إنقاذ بقيمة 17.4 مليار دولار مقدمة لشركتي «جنرال موتورز» و«كريسلر»، التي تضررت الآن بفعل حملة ميت رومني لترويج فكرة «تعميم رأسمالية المحسوبية على نطاق واسع». وفي حالة ما إذا كان جون ماكين هو من خلف بوش بدلا من باراك أوباما، لكان من المحتمل أن يختار المضي قدما في هذا المسار.

ويشير روغوف – وهو لاعب شطرنج شهير – إلى أن هناك وضعا شائعا في لعبة الشطرنج يعرف باسم «الحركة الوحيدة المتاحة» – وهي الحركة التي تفرضها ظروف اللعبة لتجنب هزيمة مؤكدة. ويقول إن جهود إدارة أوباما لتحفيز الاقتصاد تتلاءم مع هذا الوصف. وليس من المحتمل أن ينتهج الجمهوريون سبيلا يختلف عن هذا النهج بدرجة كبيرة.

ويعد الجمهوريون المشاركون في الحملة الآن بإلغاء السياسة الاقتصادية للرئيس أوباما، التي يزعمون أنها قد ألحقت ضررا هائلا بالاقتصاد الأميركي، والعودة بالدولة إلى انتهاج إجراءات التقشف. على سبيل المثال، يعد رومني بتقليل حجم النفقات الفيدرالية إلى نسبة 20% من ناتج الدولة بحلول عام 2016، هبوطا عن نحو 24% هذه الأيام، غير أنه من الصعب تحديد ما إذا كان يمكن تصديق فكرة الترشيد في الإنفاق هذه أم لا.

وردا على سؤال حول العجز في الميزانية خلال خطاب في إطار الحملة في ميتشيغان، الأسبوع الماضي، أشار رومني قائلا: «إذا كان كل ما تفكر في القيام به هو تقليل الإنفاق، فمع تقليلك النفقات، سوف تبطئ عجلة الاقتصاد، ومن ثم، سيتعين عليك في الوقت نفسه وضع سياسات ضريبية محفزة للنمو».

ولاكتشاف ما يمكن أن تتضمنه السياسات المحفزة للنمو التي سيضعها، من المفيد التحول إلى سجله الوظيفي كمحافظ لولاية ماساتشوستس.. في عام 2005، اقترح رومني حزمة إنقاذ حجمها 600 مليون دولار لتوفير 20000 فرصة عمل خلال 5 سنوات، بتكلفة 30000 دولار للوظيفة الواحدة. ويبدو هذا مألوفا.

* خدمة «نيويورك تايمز»