الشراكة بين بريطانيا والسعودية في القطاعين العام والخاص

TT

في مقالي الأخير ذكرت أني سوف أترأس وفد الشراكة بين القطاعين العام والخاص في السعودية. قمت بهذا بالفعل وحقق نجاحا ساحقا.

أكثر الأمور التي أثارتني، مع العلم أنني أزور المملكة بشكل دوري، هو الحماس التي شاهدته لدى كل شخص التقيته هناك. اليوم نحن مستعدون لاجتماع مجلس رجال الأعمال السعودي - البريطاني المشترك المقرر عقده في لندن أواخر هذا الشهر. سيترأس الجانب السعودي وزير التجارة والصناعة الجديد، توفيق الربيعة، بينما سيترأس الجانب البريطاني وزير التجارة والاستثمار، لورد غرين.

كالعادة سيشارك في رئاسة الاجتماع خالد السيف وبارونيس سايمونز، وسينضم إلى الاجتماع كل من سفير المملكة العربية السعودية وسفير المملكة المتحدة. وأتطلع لحضور حفل استقبال في قصر باكنغهام بعد هذا الاجتماع.

قبل العودة إلى زيارة المملكة العربية السعودية، أود أن أشير إلى مقال رائع قرأته في مجلة «أهلا وسهلا» التي يتم توفيرها على متن الخطوط العربية السعودية. لقد كان المقال يتناول اختيارا قام به البشر منذ نحو عشرة آلاف عام عندما بدأ الإنسان الزراعة. كان هذا الاختيار هو المحاصيل الحولية. ويناقش هذا المقال عمل أستاذ زراعة النباتات والوراثة في جامعة كرونيل وكيف عادت مجموعة صغيرة من العلماء إلى هذا المفترق من طريق الإنسانية. إنهم يحاولون زراعة قمح وأرز وحبوب أخرى التي تعد من المحاصيل الحولية، حيث يعتقدون أن زراعة تلك المحاصيل تجاريا سوف يحافظ على الأرض ويحد من معدل التآكل والحاجة إلى المبيدات الحشرية، ويساعد على ترسخ وثبات التربة بفعل جذور النباتات العميقة، ويجعل الحبوب ملائمة أكثر للأراضي التي يصعب استصلاحها. وأعتقد أن هذا البحث يمكن أن يعود بمنافع كبيرة على الجنس البشري في حال نجاحه في إنتاج محاصيل حولية تجاريا. ربما نخصص مقالا آخر لدراسة هذا الأمر.

بالعودة إلى زيارة الوفد للمملكة العربية السعودية، هناك تغيرات كبيرة يمكنها تحويل مستقبل المملكة تماما. ويمكنني أن أبدأ الآن في استعراض بعض ملامح البرنامج الذي نحن بصدده وحفاوة استقبال الجميع لنا. لقد زرنا الهيئة العامة للطيران المدني حيث استمتعت بعدة اجتماعات رائعة على مدى سنوات. لقد كانت فرصة رائعة لمقابلة بعض الأصدقاء القدامى والتعرف على بعض الأشخاص الجدد. جاءت إحدى الخطوات التقدمية منذ خمس سنوات عندما تم اتخاذ قرار بتحويل هيئات مثل الهيئة العامة للطيران المدني إلى مشروعات تجارية لا تعتمد على تمويل الحكومة واجتذاب مشروعات مع المملكة من خلالها وزيادة الجودة في المطارات بحيث تصل إلى المستويات العالمية.

نقل المعرفة من الأهداف الرئيسية. وإذا داومت على قراءة هذه المقالات التي تتعلق بمجال الأعمال ستعرف أنني أؤيد هذا التوجه بشدة.

ورغم عدم وجود قانون للشراكة بين القطاعين العام والخاص في المملكة، حيث يجب أن يتم الموافقة على أي مشروع من قبل المجلس التنفيذي الأعلى، تحقق المشروعات نجاحا كبيرا، ليس فقط في المطارات، بل أيضا في قطاعي الطاقة والخدمات.

بعد نجاح مشروع مدته عشرون عاما من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوسيع صالة الحجاج في مطار الملك عبد الله الدولي في جدة، أوكلت الهيئة العامة للطيران المدني مؤخرا أول مشروع بنظام «بي أو تي»، الذي يتضمن قيام هيئة أجنبية بتأسيس المشروع ثم تشغيله ونقل ملكيته في مطار المدينة لمجموعة شركات تركية هي «تي إيه في إيربورتس هولدينغ»، بالاشتراك مع شركة «أوغير لميتيد» التابعة لمجموعة «راجح هولدينغ غروب» السعودية، وشركة «كونسولديتيد كونتراكتينغ كومباني». وهناك الكثير من المشروعات في قطاع الأنابيب، وهناك الكثير من الشركات البريطانية المستعدة للاشتراك في تلك المشروعات. من الإنجازات الأخرى التي تم تحقيقها في جدة تأسيس شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني. وبعد التواصل مع الشركة علمنا أن أقرب توصيف لها هو أنها الذراع التنفيذية لمشروع «سيتي هول». وتنخرط الشركة في الشراكة بين القطاعين العام والخاص بحصة قدرها 76 في المائة. وتعمل الشركة مدير تنمية من خلال دورها الأساسي وهو التيسير والترويج، لا العمل كشركة تنمية عقارية.

لقد تم تعريفنا بخطة تنمية جدة ذات السنوات الأربع التي تبدأ من 2012 إلى 2015، التي تتضمن 14 متنزها و10 مشروعات ذات أولوية بالنسبة للمجلس المحلي. وعلمنا بوجود بعض الفرص أمام الشركات البريطانية. وتم اصطحابنا في جولة في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وشاهدنا التقدم الكبير الذي تم إنجازه حتى اليوم، وسمعنا بالخطط المستقبلية. وفي الرياض سمعنا بأمر مركز الملك عبد الله المالي من خلال محمد بن عبد الله الخراشي، محافظ المؤسسة العامة للتقاعد.

في ما بعد تواصلنا مع شركة المياه الوطنية وعلمنا أنها بدأت أكثر من مائة مشروع للمياه والصرف الصحي في الرياض وجدة خلال العام المالي الحالي. كذلك سمعنا عن مشروع بتكلفة 7 مليارات ريال سعودي لردم بحيرات الصرف الصحي في جدة ومعالجة مياه الصرف الصحي من خلال عدة عمليات لإتاحة الاستفادة منها في الزراعة والصناعة.

سلطت المناقشة الضوء على مشروعات شركة المياه الوطنية في قطاع الصرف الصحي في جدة، الذي يتركز على الانتهاء من نظام الصرف للمنطقة الشمالية قبل موعده بسبعة أشهر. كذلك علمنا بأمر بناء وتطوير خمس محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي بقدرة 622 ألف متر مكعب يوميا. وعرفنا أيضا نجاح الشركة في تجفيف بحيرة صرف صحي مساحتها 5 ملايين متر مربع في حي النظيم شرق الرياض، ومعالجة رواسب الصرف الصحي في وقت قياسي.

وزرنا بعد ذلك الشركة السعودية للكهرباء، حيث تم التحدث عن العلاقة التاريخية الطويلة مع المملكة المتحدة، التي تعود إلى نهاية السبعينات. ويعمل موت ماكدونالد، أحد أعضاء وفد المملكة المتحدة، حاليا في شركة الكهرباء الوطنية في عدة مشروعات خاصة بالكهرباء. وتعمل الشركة حاليا على التعامل مع تحدٍّ متمثل في تلبية النمو في الطلب البالغ 7 في المائة لكل عام من السنوات الخمس الماضية والنمو المستقبلي خلال السنوات الخمس المقبلة. بعد هذا سيتراوح النمو السنوي المتوقع بين 4 و5 في المائة لمدة خمس سنوات أخرى. وتعمل شركة الكهرباء الوطنية على تشجيع شركات القطاع الخاص داخل وخارج المملكة العربية السعودية للمشاركة في مشروعات الكهرباء والمياه. ومن أجل الوصول إلى تعرفة مقبولة، تبرم شركة الكهرباء الوطنية عقودا تحصل بموجبها على كمية الكهرباء والوقود المولدة بالكامل لمدة 20 عاما. ويتم العمل حاليا على مشروع بطاقة 15 غيغاوات، وسيتم التعاقد على مشروع بطاقة 10 غيغاوات العام المقبل.

وسيكون هناك حاجة إلى مشروع بطاقة من 30 إلى 35 غيغاوات بحلول عام 2030، لذا يعد جذب رؤوس الأموال بالتكلفة المناسبة أمرا هاما بالنسبة إلى شركة الكهرباء الوطنية.

بحسب وكالة «فيتش ريتينغز»، حصلت الشركة السعودية للكهرباء، من حيث احتمال تخلف مصدر السندات على المدى الطويل عن السداد، على تصنيف «AA-»، وحصلت ثلاثة سندات إسلامية (صكوك) للشركة على التصنيف نفسه. وسيتم طرح المزيد من السندات الإسلامية (الصكوك) قريبا، ونتطلع في لندن إلى تسلم عرض توضيحي بهذا الشأن من شركة الكهرباء الوطنية قريبا.

وكان ضمن الزيارة عقد اجتماع مع وزير الإسكان السعودي، شويش سعود الضويحي، تبادلنا خلاله الأفكار الخاصة بالإسكان المتوسط. وقد أوضحت نجاح مثل هذه المشروعات في المملكة المتحدة، ودعا رئيس منتدى البنية التحتية بالمملكة المتحدة، جيمس بالينغال، الوزارة إلى حضور دورة للقادة في مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تنظمها وزارة المالية سنويا في لندن. وسأتناول البرنامج الضخم للإسكان المتوسط في مقال لاحق.

خلال زيارتنا الأخيرة إلى الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية قابلنا وكيل محافظ الهيئة العامة للاستثمار لشؤون الاستثمار، الأمير سعود الفيصل، وقام فريقه بعرض رائع لإنجازاتهم، ثم ناقشنا جوانب الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتوضيح كيف يمكن أن يشجع هذا إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة. لقد تمكنت من مقابلة عدد من الشخصيات من القطاع الخاص خلال الفترات الفاصلة بين الاجتماعات الرسمية، وتم الاتفاق على متابعة الأمر مع الكثير منهم في لندن خلال الأشهر المقبلة، خصوصا مع الذين سيحضرون مجلس رجال الأعمال السعودي - البريطاني المشترك في وقت لاحق من الشهر الحالي في لندن وآخرين في المملكة. لقد كانت زيارة ناجحة بامتياز، وتجمع المصالح المشتركة والحوار المستمر بين من قابلناهم في المملكة العربية السعودية وأعضاء الوفد البريطاني.

* أستاذ زائر في كلية الأعمال بجامعة لندن متروبوليتان ورئيس «ألترا كابيتال»