مؤلفا الكتابين

TT

يروي الكاتب الفرنسي أوليفيه روا في «الجهل المقدس» (دار الساقي) أنه كان في نهاية دروسه لإعدادية التعليم العالي، يساريا متطرفا مثل معظم الشبيبة الفرنسية أواخر الستينات. وكان فرحه عظيما عندما انضم إلى مدرسة «لويس الكبير» وعرف أنه سوف يكون في صف أحد الأساتذة المعروفين بالحماس لماو تسي تونغ، ويدعى فرنسوا شاتليه.

كانت أكثرية الطلاب في الصف من الماويين أيضا. وبلغ حماس روا أنه درس اللغة الصينية (حفظ 750 حرفا من 49 ألف حرف تتألف منها اللغة) وسافر فيما بعد إلى الصين. وكان الطلاب الثوريون ينتهون غالبا في مخافر الشرطة فيأتي ويخرجهم بكفالة. وخيل إلى الطالب روا أنه سوف يرضي الأستاذ بالإكثار من الاستشهادات بأقوال التشرمان ماو، إلى أن «انفلق» الأستاذ من التفلسف، فوقف بين تلامذته ذات يوم يقول «اسمعوا يا أولاد.. ينبغي ألا ننسى أبدا أن فكر ماو تسي تونغ هو قبل أي شيء من فكر فرانسيس بيكون (الفيلسوف الإنجليزي 1626 - 1561).

شعر الطالب روا بالخيبة. فالمتحدث عن «فكر ما قبل فرنسيس بيكون»، هو أستاذ ماوي مرجعي. «هل ماو إذن، فيلسوف تافه»؟.. «غير أنني في تلك الحقبة ما كنت مستعدا لتقبل خلاصة متشائمة إلى هذا الحد». هكذا سافر الماوي الشاب بعد تخرجه إلى حضرموت ونورستان لكي ينشر تلك الأفكار. وفي كتاب عن تجربة عمرها أربعون عاما في عالم اليسار والإلحاد ثم في عالم الأديان والاقتراب من الإسلام، لا يأخذ ماو من كتاب روا الواقع في 350 صفحة، أكثر من بضعة أسطر، هي أسطر السخرية من حقبة عاشها الصينيون أرواحا ترسل إلى الموت بالملايين. أو عشرات الملايين. فما الفرق؟

نفس بغير نفس! لكنني أتوقف عند فارق مثير. إذا كان ماو قد اقتبس أو سرق أو تأثر بأفكار فرنسيس بيكون، فما هي الأفكار التي تأثر بها «الملهمون» العرب في تلك المرحلة؟ إن «الكتاب الأخضر» الذي أصدره القذافي تماثلا مع «الكتاب الأحمر» للرفيق الأعظم في الصين، قد وضع معظمه مستكتب لبناني، كان يعرف القذافي أقل مما يعرف ماو. أو أكثر. ومرة أخرى، فما الفرق، ما دامت هذه هي النتيجة؟

اقتضت عدوى تلك المرحلة أن يكون الجميع، حكاما وعاديين، ثوارا ملهمين ومفكرين. كما اقتضت أن يقرأ الجميع في ماركس، الذي لا يزال مرجعا فكريا تاريخيا، ولينين، ولكن أيضا في «الكتاب الأحمر» الذي أتمنى أن يعاد تقييمه الآن في أي معهد فكري حقيقي مستقل.

يخيل إليّ أن عددا كبيرا، خصوصا من العرب، لم يقرأوا «الكتاب الأحمر». وقد قرأته متأخرا جدا بعد غياب التشرمان، وبعدما تحولت الصين من بلد يأكل القصائد إلى بلد يتقدم اقتصادات العالم. وفي هذه المقارنة بين صينَين يبدو «الكتاب الأحمر»، حتى كمرحلة تاريخية، مسليا. في أفضل الحالات.