سلفيون «لايت»

TT

في جلسة البرلمان المصري التي انعقدت بعد أحداث بورسعيد الدامية، التي وقعت الشهر الماضي وراح ضحيتها العشرات، وقف النائب السلفي أنور البلكيمي يتحدث بصوت متهدج كاد فيه يبكي وهو يعبر عن مخاوفه من وقوع فتنة في مصر صابّا جام غضبه على الإعلام المصري محملا إياه مسؤولية ما جرى.

لم يمضِ شهر على تقريع البلكيمي للإعلام حتى شاهد المصريون عبر شاشات التلفزة النائب نفسه ممددا على سرير في مستشفى والضمادات تملأ وجهه يروي، من دون تلعثم، كيف تعرض لهجوم من قبل بلطجية محملين بالأسلحة وكيف ضربوه وكادوا يقتلونه وسرقوا منه مائة ألف جنيه. وحين سأله الصحافي عما كان ينوي فعله بتلك الأموال أجاب بصوت هادئ: إنها أموال عائدة للاهتمام بأمور دائرته ومنطقته.

طبعا كما بات معروفا، فقد تبين أن البلكيمي لم يتعرض لاعتداء كما قال للإعلام، لكن كل ما في الأمر أنه أجرى عملية تجميل لأنفه، فوجد، ربما، ذلك شأنا محرجا له، وهو المنتمي إلى تيار ديني يرفض تغيير «ما خلقه الله»، على ما تقول أدبياته، فارتأى النائب اللجوء إلى الكذب، معتقدا أن وطأة ذلك ستكون أهون من إعلانه أنه يرغب في تحسين مظهر وجهه.

بمعزل عن كشف كذب النائب وفصله من حزب النور السلفي، فإن تكرار هفوات وحوادث من هذا النوع من قِبل عناصر في التيارات الدينية المستجدة في سلطات ما بعد الثورات يوحي بصعوبة إبقاء القداسة مظلة لكل تفاصيل الحياة اليومية، خصوصا حين يصبح في الأمر تعاطٍ مع الرأي العام وعبر وسائل الإعلام.

لقد بات النائب البلكيمي شخصية عامة تظهر أمام الناس. وجد، ربما، أن موقعه كممثل لتيار سلفي يسمح له باستنهاض الرأي العام في البرلمان والدعوة لدرء الفتنة حتى حدود البكاء. هذا ما يعتقده دورا له، وهو في المقابل استفظع أن يجاهر بأنه يريد تجميل أنفه أكثر من استفظاعه الكذب على من يفترض أنه يمثلهم على الشاشات أمام الملأ.

وللحقيقة فإن حكاية النائب البلكيمي قد تكون ذروة الهفوات التي ارتكبتها شخصيات عامة مستجدة عجزت عن الفصل بين القداسة والحياة العامة وما تحتاجه من خبرات مدنية لا شرعية دينية. هذا الصدام يبدو، ربما، مفهوما؛ إذ لم تعد التيارات الدينية أسيرة المساجد، ولم تعد في الظلام هاربة من رقابة الأمن ولم تعد تتمركز في جبال أو كهوف تتأهب للقتال والموت. هذه التيارات باتت في مكاتب السلطة أمام الكاميرات وأمام جماهير واسعة تتطلع إليها.

وفي حادثة كذب النائب البلكيمي تجسيد بالغ لذلك الصدام.

الكاميرا هنا امتحان لكفاءة أخرى لا يملكها البلكيمي، وهو هنا ضحيتها على عكس ما كانت في زمن السلفية القتالية.

إنها السلفية حين تصبح «لايت» من دون دسم القداسة ومن دون ثقل الآيديولوجيات.