نبني إنسانا ويقتله الشارع!

TT

يقول الأديب المصري يوسف القعيد إنه فوجئ في أثناء زيارته لليابان أن البث التلفزيوني هناك يقطع فورا ما إن يأتي نبأ عاجل عن مقتل ياباني في حادث مروري! تذكرت هذه الرواية التي سطرها في كتابه البديع «مفاكهة الخلال في بلاد اليابان» وأنا اقرأ إحصائية رسمية (وليست استطلاعا للرأي) أظهرت أن عدد من لقوا حتفهم بسبب الحوادث المرورية في الوطن العربي خلال عام كامل، بلغ قرابة 37 ألف شخص. وهو بالمناسبة ما يمثل خمسة أضعاف عدد من قتلوا منذ اندلاع الثورة السورية قبل عام كامل!

ما فائدة أن نُنَظّر في بناء الإنسان وأهمية تطوير ذاته، وهناك حروب طاحنة في شوارعنا تحصد أرواح الناس بمعدل 101 شخصا «يوميا» في الوطن العربي. هذه الأرقام مخيفة، لأنها أرقام ضحايا حروب، وتقارب عدد من قتلوا في بداية شن الولايات المتحدة هجومها الجوي على العراق عام 2003م. وبحسب تصريحات مجلس وزراء الداخلية العرب فإن منطقتنا تتكبد خسائر مادية تتجاوز 25 مليار دولار بسبب حوادث السرعة، ناهيك عن أن النفس البشرية في حد ذاتها غالية. غير أننا في المقابل لا نرى على أرض الواقع في بلداننا رئيس حكومة يخرج للعلن ليعلن هدفا واضحا في برنامج عمله، وهو اعتزام حكومته تخفيض عدد حوادث المرور بنسبة معينة، وذلك بزرع مزيد من كاميرات السرعة، أو تغليظ العقوبات، أو دراسة أكثر الأماكن التي تشهد حوادث ومعالجتها من الناحية الهندسية وغيرها. الإمارات نجحت العام الماضي في تخفيض حوادث السير بنسبة 12 في المائة بفرض عقوبات مرورية رادعة.

وهذا الإنسان الذي تزهق روحه بلحظة في الشارع، ولا تلقي له حكوماتنا بالا، قد يصبح مشروع علم من أعلام الأمة، أو يحمل راية تخصص نافع لأجيالنا، أو قد ينجح ويتألق فيكون ملهما لغيره، مثلما يحدث مع ملايين البشر المبدعين في شتى المجالات. وكم من مبدع أو عزيز خسرناه لأنه راح ضحية حادث مروري مروع.

ولتفادي هذه الحوادث، تذكر أنك حينما تضع حزام مقعدك، وتلتزم بقواعد المرور، لا تمارس سلوكا حضاريا فحسب، بل إنك تساهم في تخفيض نسبة المخاطر التي قد تعترضك أو تعترض غيرك من الأبرياء في الطريق.

وعندما تركب سيارتك، تذكر أيضا أنك تقود أخطر وسيلة نقل في العالم، فالطائرة التي يخشاها كثيرون، لا يتجاوز عدد وفياتها السنوية في العالم من يموتون في شوارع دولة عربية واحدة!

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]

* تصويبات «الشرق الأوسط»

* ورد خطأ مطبعي غير مقصود في مقال الزميل محمد النغيمش «نبني إنسانا ويقتله الشارع»، المنشور بتاريخ 8/ 3/ 2012، إذ جاء اسم كتاب الأديب المصري يوسف القعيد «مفاكهة الخلال في رحلة اليابان»، والصحيح هو «مفاكهة الخلان في رحلة اليابان»، لذا اقتضى التنويه.