هل سيستبق حزب الله رحيل الأسد بانقلاب عسكري في لبنان؟!

TT

هناك مخاوف لا تقتصر على اللبنانيين فقط، وإنما تتجاوزهم إلى العراقيين من غير أتباع إيران، وإلى بعض الأردنيين، بأن النظام السوري، الذي كان قد هدد مرارا بأنه سيُغرق المنطقة في الفوضى والعنف، سيلجأ - على طريقة الانتحاريين، إن هو أدرك أن نهايته قد اقتربت - إلى تصدير أزمته إلى الدول المجاورة، وبخاصة إلى لبنان الذي له فيه امتدادات أمنية متجذرة وأحزاب ليست عقائدية حليفة، ورأس جسر كبير هو حزب الله الذي هو صناعة إيرانية باعتراف زعيمه وأمينه العام حسن نصر الله.

ولعل ما يؤكد هذه المخاوف أن مهرجان يوم الأحد الماضي الذي أقامته بعض القوى السياسية وشاركت فيه بعض الاتجاهات السلفية الإسلامية، قد ووجه بمهرجان مناوئ في بيروت الغربية نفسها، أقامه حزب الله ومعه بالطبع بعض الأحزاب التي تشارك «شبيحة» نظام بشار الأسد في قمع الشعب السوري وإرهابه، والمعروف أن قاعدة التدخل السريع في جبل محسن في طرابلس في الشمال اللبناني، كانت قد أعلنت عن أنها جاهزة لتنفيذ أوامر دمشق بافتعال اشتباك مسلح مع حي التبانة المجاور الذي كل سكانه من المسلمين السنة.

ويتذكر هؤلاء الذين يبدون مخاوف حقيقية تستند إلى تجارب سابقة دامية، وإلى فهم فعلي لطبيعة النظام السوري وواقع الساحة اللبنانية، أن حزب الله اللبناني كان قد لجأ إلى مناورة بالذخيرة الحية في الثامن من مايو (أيار) عام 2008 عندما أرسل مغاويره، بمشاركة ميليشيات بعض الأحزاب اللبنانية المعروفة بارتباطها الوثيق بالمخابرات السورية، لاجتياح بيروت الغربية وإغراقها بالدمار والدماء والرعب، وتهديد بعض قياداتها، وبخاصة وليد جنبلاط وسعد الحريري، بالتصفية الجسدية.

لقد كان ذلك الاجتياح، الغاشم فعلا، بمثابة إثبات بأن التأثير السوري في لبنان أصبح أقوى مما كان عليه قبل ترحيل القوات السورية عن هذا البلد في عام 2005، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، وأيضا بمثابة تأكيد على أن حزب الله لا يسيطر فقط على ضاحية بيروت الجنوبية وبعض مناطق الجنوب اللبناني، إن ليس كله، وإنما على لبنان بأسره، وأنه صاحب الحول والطول، وأن كل قرارات هذا البلد بيده وليس بيد الدولة اللبنانية.

يومها - أي بعد ذلك الاجتياح الغاشم فعلا اهتزت تلك المعادلة التي كانت قد استجدت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وبعد ترحيل القوات السورية عن لبنان في عام 2005 – أحس بعض القادة اللبنانيين بأنهم غدوا مكشوفين، وأن المساندين لهم من العرب قد تخلوا عنهم، وأن الأميركيين كعادتهم يقولون ولا يفعلون، وهذا جعل حزب الله يزداد عنجهية وغلوا، وجعل الحضور الإيراني في الحياة السياسية اللبنانية يزداد غطرسة، وجعل الخوف من سطوة أجهزة المخابرات السورية يعود ليستبد بالذين كانوا قد ذاقوا الأمرّين من تصرفات هذه الأجهزة التي كانت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في هذه «الدولة الشقيقة».

الآن وقد أصبح خيار نظام بشار الأسد: «إما قاتل أو مقتول»، فإن المخاوف من دولة حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية، بل في كل مكان من لبنان، لم تعد تقتصر على مجرد احتمال قيام هذا الحزب - الذي كان اخترعه السفير الإيراني الأسبق في دمشق، محمد حسن أختري، ليكون رأس جسر لإيران على سواحل البحر الأبيض المتوسط، مثله مثل دويلة حركة حماس في غزة - باجتياح كاجتياح الثامن من مايو عام 2008، بل تتعدى هذا إلى قيام حسن نصر الله، وكيل الولي الفقيه في هذا البلد، بانقلاب عسكري يشاركه فيه الجنرال عون، الذي بقي يحلم بأن يصبح رئيسا «ولو على خازوق»، وتشاركه فيه بعض الاتجاهات المارونية المعروفة، بالإضافة إلى بعض الأحزاب السورية الولاء، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تتحدث بعض المعلومات عن أنه يشارك أيضا، وإن بحجمه المتواضع، في قمع انتفاضة الشعب السوري المتواصلة والمتصاعدة.

وحقيقة فإن من يستمع إلى ما يقوله بعض كبار المخضرمين من الرموز الوطنية اللبنانية - ولا ضرورة هنا لذكر الأسماء - تترسخ لديه القناعة بأنه من غير المستبعد أن يلجأ بشار الأسد - مستندا إلى دعم إيران غير المحدود - إلى مثل هذا الخيار، وبخاصة أنه مع اشتداد ضغط هذه الثورة الشعبية المتصاعدة عليه وعلى نظامه، بات يتحدث عن التقسيم وبات يفكر في أن البديل في حال إخراجه من دمشق هو دولة طائفية عاصمتها «القرداحة»، لها امتداد طائفي نحو الجنوب، تزينه بعض الألوان الفسيفسائية من ساقطي بعض الطوائف، كالطائفة المارونية وأيضا الطائفة السنية.

إن هذه ليست مجرد هواجس وكوابيس، والمؤكد أن من يتابع تجليات المشروع الإيراني الاستحواذي في الشرق الأوسط والمنطقة، ومن بينها هذا التحالف الاستراتيجي، بأبعاد طائفية وللأسف، بين طهران ودمشق منذ انتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) عام 1979 وحتى الآن، فسيجد أن تخوفات بعض رموز العمل الوطني اللبناني من المخضرمين من انقلاب عسكري يقوم به حزب الله ويكون واجهته الجنرال ميشال عون، مسألة غير مستبعدة في حال تيقن مرشد الثورة علي خامنئي، وتيقن هذا النظام السوري، من أن الثورة السورية منتصرة لا محالة، وأن إيران ستفقد ساحة رئيسية، وعليها أن تعوضها بالسيطرة الكاملة على الساحة اللبنانية لتبقى تحتفظ برقم مؤثر في المعادلة الشرق أوسطية.

ويبقى أنه على الوطنيين اللبنانيين وعلى القوى الوطنية اللبنانية - حتى وإن كانت مثل هذه المخاوف هي مجرد احتمالات ليس أكثر - أن تسارع لمواجهة هذه الاحتمالات بإنشاء جبهة تحالف وطني عريضة تضم «المستقبل» والجبهة التي يقودها وليد جنبلاط، وكل الأطراف المارونية الرافضة لأي هيمنة خارجية على لبنان، وأولها حزب الكتائب برئاسة الشيخ أمين الجميل، وحزب القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع، وبالطبع حزب الأحرار، والكثير من الشخصيات الفاعلة من هذه الطائفة الكريمة، وإلى جانب كل هؤلاء ومعهم حركة «أمل» بقيادة الأستاذ نبيه بري، والكثير من رجال الدين وأبناء العائلات القيادية من الطائفة الشيعية، فالتحديات باتت كبيرة، والمسألة غدت خطيرة وجدية.

هذا بالنسبة للبنان، أما بالنسبة للعراق فإن المتوقع أن أول ما سيفعله الإيرانيون من خلال أتباعهم وأعوانهم وامتداداتهم الأمنية على الساحة العراقية هو تعطيل انعقاد القمة العربية في بغداد، إذا بقي نظام بشار الأسد قائما ومُنِع من حضورها، وفقا لقرار الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، وهو تحريك نوري المالكي في حال سقوط هذا النظام السوري للقيام بانقلاب عسكري في العراق للهيمنة عليه، وليصبح الوضع الجديد في سوريا بين فكي كماشة إيرانية، الأول حزب الله ومن معه في لبنان، والآخر القوى والمجموعات الطائفية العراقية، وكل هذا ليتجسد الهلال الفارسي الذي تردد الحديث عنه كثيرا في السنوات الأخيرة على أرض الواقع.

ثم إن الأردن سيستهدف أيضا في حال سقوط نظام بشار الأسد، لكن هذا البلد - وهذه حقيقة - فيه عوامل صمود كثيرة وأولها تماسكه الداخلي، وثانيها قوة جيشه وأجهزته الأمنية، وثالثها علاقاته العربية، وبخاصة مع الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، المتينة والقوية، ورابعها علاقاته الدولية المميزة، وهذا كله سيجعله قادرا على استيعاب أي تحرشات من هذا النظام السوري وأي محاولات استهداف إيرانية.