على إسرائيل تعلم الدرس من «أوزيراك»

TT

في السابع من يونيو (حزيران) 1981، قامت ثماني طائرات «إف 16»، تحميها ست طائرات «إف 15» بإسقاط 162000 رطل من القنابل على مفاعل (تموز) أوزيراك النووي الذي كان قد أوشك على الاكتمال، في مجمع التويثة بالعراق، عندما رأى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن ووزير الدفاع آرييل شارون أن المفاعل يشكل عاملا رئيسيا في سعي الرئيس العراقي صدام حسين لبناء أسلحة نووية، واعتقدا أنه يشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل.

توقيت الضربة بررته التقارير الاستخباراتية التي أشارت إلى أن مفاعل أوزيراك سيصبح جاهزا للعمل في القريب العاجل. وبعد يومين أو ثلاثة أيام أعلن عن السبب وراء الغارة: «اخترنا هذه اللحظة الآن وليس في ما بعد، لأن في ما بعد سيعني أننا تأخرنا كثيرا، وربما إلى الأبد. فإذا ما وقفنا من دون حراك لعامين أو ثلاثة، أو أربع سنوات على الأكثر، لكان صدام حسين قد أنتج ثلاث أو أربع أو خمس قنابل.. وربما يسجل تاريخ الشعب اليهودي هولوكوست أخرى».

بعد ثلاثة عقود من تلك الضربة يمكن سماع نفس الحجج بشأن التهديد النووي المسلح الذي تشكله إيران. ففي مايو (أيار) الماضي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي: «إن محور التاريخ ربما يتبدل قريبا بالنسبة للخطر الأكبر الموجه ضدنا، والمتمثل في نظام إسلامي معاد مسلح بأسلحة نووية». وفي كلمته في الثاني من فبراير (شباط) بإسرائيل، كان إيهود باراك أشبه ما يكون ببيغن في تقديم الأعذار لعمل عسكري محتمل ضد إيران، مؤكدا على أن من ينادون بـ«في ما بعد» ربما يجدون أن «في ما بعد» سيكون متأخرا للغاية. وسعى باراك في أواخر الشهر الماضي إلى التقليل من أهمية ما أعلن عن معارضة الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس لضربة محتملة تجاه إيران بالإشارة إلى معارضته لهجوم 1981.

بالنسبة للإسرائيليين الذين يفكرون في ضرب إيران، يبدو الهجوم على «أوزيراك» نموذجا للحرب الوقائية الفعالة. ففي النهاية لم يحصل صدام حسين على القنبلة النووية، وإذا كانت إسرائيل قد تمكنت من القضاء على عدو عاقد العزم على تدميرها، فيمكنها أن تفعل ذلك مرة أخرى. لكن نظرة أكثر عمقا على حادثة «أوزيراك»، اعتمادا على بحث أكاديمي أجري مؤخرا وذكريات الأفراد الذين شاركوا في البرنامج العراقي، تؤيد بقوة رفض الضربة الإسرائيلية ضد إيران اليوم.

بادئ ذي بدء، لم يكن صدام حسين على شفا إنتاج القنبلة النووية عام 1981. ففي أواخر السبعينات كان يعتقد أن العراق يطور أسلحة نووية، وأنه يأمل في استخدام مفاعل أوزيراك لتعزيز هذا الهدف. لكن أدلة جديدة أشارت إلى أن صدام حسين لم يكن قد قرر بدء برنامج أسلحة واسع النطاق قبيل الهجوم الإسرائيلي. ويقول العالم النرويجي مالفريد برايون - هيغهامر، الذي كان عمل في البرنامج النووي العراقي «عشية الهجوم على (أوزيراك): كان سعي العراق للحصول على أسلحة نووية غير موجه وغير منظم».

علاوة على ذلك، قدم دان ريتر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إيموري، دراسة مفصلة في عام 2005، أشار فيها إلى أن مفاعل أوزيراك لم يكن مصمما لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في بناء أسلحة نووية. وإذا ما كان صدام حسين قد قرر استخدام «أوزيراك» لتطوير أسلحة نووية، وتفادى العلماء العراقيون الاعتقال، لكان ذلك قد تطلب عدة سنوات أخرى - ربما حتى التسعينات - لإنتاج بلوتونيوم يكفي لإنتاج قنبلة واحدة. وحتى لو امتلك العراق وجود مواد انشطارية كافية، لكان عليه أن يقوم بتصميم وبناء السلاح القادر على حمل القنبلة النووية، وهي العملية التي لم تبدأ قبل الهجوم الإسرائيلي.

مخاطر تحقيق العراق لإنجاز وشيك قوضها وجود تقنيين فرنسيين في «أوزيراك»، ناهيك عن عمليات التفتيش المنتظمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونتيجة لذلك فإن أي محاولة لإخفاء وقود اليورانيوم عالي التخصيب أو محاولات إنتاج البلوتونيوم كان سيتم الكشف عنها.

وعبر إظهار قوة العراق، زاد الهجوم على «أوزيراك» من تصميم صدام حسين على تطوير رادع نووي وأعطى العلماء العراقيين الفرصة لتنظيم البرنامج بشكل أفضل. وكرس الزعيم العراقي المزيد من الموارد نحو الحصول على قنبلة نووية بعد الاعتداء. وكما أشار ريتر «تحول البرنامج النووي العراقي من برنامج يضم 400 عالم وتمويل بقيمة 400 مليون دولار إلى مشروع يضم 7000 عالم وتمويل بـ10 مليارات دولار».

وتحولت الجهود النووية العراقية إلى باطن الأرض. وسمح صدام حسين لوكالة الطاقة الذرية بالتحقق من دمار «أوزيراك»، لكنه تحول حينئذ من استراتيجية البلوتونيوم إلى استراتيجية تخصيب يورانيوم طموحة ومتفرقة. اعتمدت هذه الطريقة على عدد من المواقع غير المعلنة، بعيدا عن عيون المراقبين المتطفلة. وتهدف إلى تطوير تكنولوجيا وخبرات محلية لخفض الاعتماد على الموردين الأجانب للتكنولوجيا الحساسة. وقد اندهش المفتشون الذين سمح لهم في النهاية بالدخول إلى هذه المواقع من المدى الذي وصلت إليه البنية التحتية النووية العراقية ومدى قرب صدام حسين من الوصول إلى القنبلة النووية.

في النهاية لم تتمكن الغارة الإسرائيلية عام 1981 من إنهاء مساعي العراق لتطوير أسلحة نووية. ولم يفعل ذلك سوى حرب الخليج إضافة إلى عقد من العقوبات والاحتواء والتفتيشات ومنطقة حظر الطيران والقصف الدوري - ناهيك عن غزو عام 2003 - للقضاء على البرنامج. وقد كان المجتمع الدولي محظوظا، فلو لم يكن صدام حسين غبيا بما يكفي لغزو الكويت عام 1990، لربما كان قد تمكن من إنتاج القنبلة في منتصف التسعينات.

على الجانب الآخر يأتي البرنامج النووي الإيراني أكثر تقدما مما كان عليه البرنامج النووي العراقي عام 1981، لكن الجمهورية الإسلامية لا تزال بعيدة عن دخول النادي النووي. فبحسب وثائق وكالة الطاقة الذرية، فقد أعدت إيران العدة كي تمتلك خيار تطوير الأسلحة النووية في مرحلة ما. ولو أمر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي غدا بإنتاج القنبلة النووية، فإن إيران ربما تمتلك القدرة التقنية لإنتاج قنبلة نووية تجريبية في غضون عام وصاروخ قادر على حمل القنبلة في غضون عدة سنوات. لكن كما قال مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر، في لجنة خدمات القوات المسلحة بمجلس الشيوخ يوم 16 فبراير، لا يبدو أن خامنئي قد اتخذ هذا القرار.

علاوة على ذلك، لا يتوقع أن يسارع خامنئي إلى إنتاج القنبلة في المستقبل القريب، لأن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكشفون الجهود الإيرانية لتحويل اليورانيوم منخفض التخصيب وتخصيبه إلى مستوى الأسلحة في المنشآت المعلن عنها. ومثل هذا العمل الوقح سيجابه برد فعل دولي صارم. وحتى تتمكن إيران من متابعة مثل هذه الجهود بسرعة أكبر وبصورة سرية - والتي قد تتطلب سنوات من الآن - لا يتوقع أن يلجأ خامنئي إلى مثل هذا التصرف.

أيضا، فإن الضربة الإسرائيلية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية يمكن أن تشكل خطورة أكبر وأقل فاعلية من الغارة التي شنتها على مفاعل «أوزيراك». ففي عام 1981، طار عدد صغير نسبيا من الطائرات الإسرائيلية 600 ميل لضرب هدف وحيد يسهل إصابته فوق الأرض. كانت تلك مهمة سهلة، لكنها لا تقارن بتعقيد ضربة على البنية التحتية الإيرانية.

مثل هذا الهجوم قد يتطلب عشرات الطائرات التي ستطير لما لا يقل عن 1000 ميل فوق الأجواء العربية للوصول إلى أهدافها، لتوسع من قدرات إعادة التموين الإسرائيلية. وسيكون بعد ذلك على الطائرات الإسرائيلية أن تتحايل على الدفاعات الجوية الإيرانية وإسقاط مئات القنابل دقيقة التوجيه على منشأة ناتانز الحصينة، وموقع فوردو لتخصيب اليورانيوم الذي أنشئ بالقرب من مدينة قم، ومنشأة إنتاج الماء الثقيل ومفاعل البلوتونيوم قيد الإنشاء في آراك، ومنشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي في وحول المناطق المأهولة بطهران وناتانز.

نفس هذه الطائرات لن تتمكن من إعادة قصف الأهداف التي فشلت في إصابتها، وسيحتاجون إلى المسارعة للعودة للدفاع عن إسرائيل ضد عدوان من إيران وعملائها، كحزب الله وربما حماس.

لن تكون الهجمة الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية كنظيرتها التي يشنها الجيش الأميركي، الذي يمتلك الكثير من العتاد الأكثر قوة، والقدرة على دعم حملة قصف واسعة النطاق، فسوف تكون الهجمة الإسرائيلية ضربة واحدة ذات نتائج محدودة إلى حد كبير.

ولا عجب في أن يقول الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة لقناة «سي إن إن»، إن الهجوم الإسرائيلي سيعطل البرنامج النووي الإيراني لبضع سنوات فقط، ولن تتمكن من تحقيق هدفه طويل الأجل (لأن ضربة جوية أميركية يتوقع أن تكون أكثر فاعلية، وقد حافظت الإدارة على ذلك الخيار على الطاولة، على الرغم من تحذيرها من هجمة إسرائيلية).

إذا كان على إسرائيل أن تسارع إلى الحرب، ربما تتبع إيران نموذج صدام حسين وتعيد بناء برنامج نووي بصورة يصعب اكتشافها وأكثر صعوبة في إيقافه. وعلى الرغم من الإجماع بين الإيرانيين على أحقية بلادهم في الحصول على برنامج نووي سلمي، لا يوجد اتفاق داخلي حتى الآن على المضي قدما في البرنامج النووي. حتى إن المرشد الأعلى الذي أصر على حق إيران في الحصول على التقدم التكنولوجي بتطبيقات عسكرية ممكنة، أعلن في الوقت ذاته أكثر من مرة أن امتلاك أو استخدام أسلحة نووية سيكون «خطيئة كبرى» ضد الإسلام.

وبعد ضربة إسرائيلية، سينتهي هذا الجدل الداخلي وستنتصر حجج المتشددين.

وباستثناء الغزو وتغيير النظام - النتائج التي تتخطى قدرات إسرائيل - سيكون من شبه المستحيل منع إيران من إعادة بناء برنامجها النووي، فالبنية التحتية النووية الإيرانية أكثر تقدما ومتناثرة ومحمية وأقل اعتمادا على الإمدادات الأجنبية للتكنولوجيا الرئيسية مما كان عليه الأمر في حالة العراق عام 1981.

وعلى الرغم من تحذير باراك أوباما بأنه كان على إسرائيل أن تقصف قبل أن يتم تحصين المنشآت النووية الإيرانية بشكل بالغ تدخل معه منطقة الحصانة من العمل العسكري الإسرائيلي، فمن المتوقع أن تعيد إيران توزيع برنامجها في عدد من المواقع - وربما في مواقع سرية - لا تكون فيها عرضة للهجوم الإسرائيلي. وسوف ينهي الهجوم الإسرائيلي أي أمل في تعاون إيراني مع وكالة الطاقة الذرية، وسيقوض بشكل جاد من قدرة المجتمع الدولي على كشف جهود إعادة بناء البرنامج النووي.

وقد صرح بيغن لقناة «سي بي إس» الإخبارية بعد أسبوع من الغارة على «أوزيراك»، بأن «الهجوم سيكون سابقة لكل حكومة مقبلة في إسرائيل»، بيد أن التاريخ إذا كان يكرر نفسه، فإن الهجوم الإسرائيلي سينتج عنه خصم جريح أكثر تصميما من ذي قبل على الحصول على القنبلة النووية. وعندئذ سيواجه العالم نفس الخيار الرهيب الذي واجهه في نهاية المطاف مع العراق، والمتمثل في عقود من الاحتواء لوقف جهود إعادة البناء والغزو والاحتلال، أو الإذعان لعدو مسلح نوويا.

* أستاذ مساعد بكلية إدموند وولش للشؤون الدولية بجامعة جورج تاون. وزميل بارز في مركز الأمن الأميركي الجديد. ومساعد سابق لوزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط من 2009 إلى 2011.

* خدمة «واشنطن بوست»