إيران: المجاملة التي تقدمها الرذيلة للفضيلة

TT

تخيل وجود مباراة تتمكن فيها من تغيير قواعد اللعبة واختيار اللاعبين والاعتراض على النتيجة النهائية، ليس هذا فحسب ولكن يمكنك أيضا الغش والتلاعب في أحداث تلك المباراة. هذا هو ما حدث بالضبط يوم الجمعة الماضية في الدورة التاسعة للانتخابات البرلمانية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومثلما يحدث دائما، كان النظام هو الجهة التي تسمح لشخص ما بالترشح وتستبعد شخصا آخر من السباق الانتخابي. وبعد ذلك، كانت إدارة العملية الانتخابية من اختصاص وزارة الداخلية، بدلا من أن يكون ذلك مهمة لجنة مستقلة، كما هو العرف السائد في جميع أنحاء العالم. وليس هناك حاجة للتذكير بأنه يمكن تغيير أو إلغاء النتائج من قبل مجلس صيانة الدستور، وهو جهاز من أجهزة النظام يسيطر عليه الملالي.

والسؤال الآن هو: لماذا يتم التزوير والتلاعب طالما أن الأمر بهذه الصورة؟ والإجابة تتلخص في أن «المرشد الأعلى» علي خامنئي يريد أن يكون هناك عرض يتيح له شيئين، أولا: يريد خامنئي أن يضمن وجود إقبال كبير على الانتخابات حتى يمكنه الادعاء بأن الإيرانيين قد تجاوزوا مرحلة الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في عام 2009. وثانيا: يريد أن يحشد أغلبية لهؤلاء الذين يؤيدون قراره بتحويل الجمهورية الإسلامية إلى دولة إمامية، أي دولة يحكمها إمام وليس رئيس جمهورية.

وتقول الرواية الرسمية إن خامنئي قد نجح في تحقيق كلا الهدفين، حيث يقال إن نحو 64 في المائة ممن لديهم حق التصويت قد ذهبوا بالفعل لصناديق الاقتراع، وإن أنصار خامنئي قد حصلوا على ما لا يقل عن 200 مقعد من 290 معقدا هي إجمالي مقاعد مجلس الشورى الإسلامي، وهو البرلمان الوهمي التابع للنظام.

ومع ذلك، لو نظرنا نظرة فاحصة على البيانات الصادرة عن النظام نفسه، لوجدنا أنها تدحض كلا من هذين الادعاءين، ودعونا نبدأ أولا بمسألة الإقبال على صناديق الاقتراع، حيث أعلنت البيانات الصادرة عن النظام أن أكثر من 52 مليون شخص لديهم حق التصويت في العملية الانتخابية، في حين أعلنت وزارة الداخلية أن 45.2 مليون شخص فقط هم من لديهم حق التصويت، وهو ما يعني أنه قد تم تجاهل نحو سبعة ملايين شخص لديهم حق التصويت منذ البداية.

وحتى ذلك الحين، لم تكن الصورة وردية بالشكل الذي يدعيه خامنئي، حيث كان الإقبال على الانتخابات التي أجريت يوم الجمعة الماضي واحدا من أقل ثلاثة نسب إقبال خلال الثمانية انتخابات الماضية، ولا سيما في المناطق الحضرية. في طهران، على سبيل المثال، كان هناك 5.460.000 شخص لديهم حق التصويت، حسب البيانات الرسمية، ولكن بلغ عدد الذين ذهبوا لصناديق الاقتراع 2.119.689 شخصا فقط. وفي أصفهان التي تعد ثاني أكبر المدن الإيرانية، بلغ الإقبال نحو 32 في المائة فقط.

وتم الإعلان عن أكبر نسب للإقبال في المناطق النائية التي لم يكن بها أي وسائل إعلام تغطي الحدث، حيث من المفترض أن نحو 90 في المائة ممن لديهم حق التصويت في محافظة كهكلوه وبور أحمد، التي تعد أصغر المحافظات الإيرانية، قد ذهبوا إلى صناديق الاقتراع، في حين قيل إن نسبة التصويت في چهارمحال بختار وعيلام، وهي أقاليم صغيرة أيضا في إيران، قد تعدت 86 في المائة.

وقد تم التلاعب في نسب الإقبال بطرق أخرى، حيث أعلن الموقع الرسمي لوزارة الداخلية أن نسبة الإقبال قد تراوحت بين 90 في المائة و128 في المائة في 127 دائرة من إجمالي عدد الدوائر الانتخابية التي يصل عددها إلى 368، وهو ما يعني أن عدد الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع في بعض الأماكن يفوق عدد الذين لديهم حق التصويت! (ومن قبيل الصدفة أيضا أنه من المفترض أن يحصل فلاديمير بوتين، خلال الانتخابات الروسية، على نحو 90 في المائة من الأصوات في الشيشان! كما حصل بشار الأسد على 86 في المائة من إجمالي الأصوات في الاستفتاء الذي أجراه في سوريا!).

وفي الواقع، كان هناك نوع من أنواع الانتقام السياسي في طريقة التلاعب في تلك الأرقام، حيث تم التلاعب في معدل الإقبال بطريقة عبثية في مدينة شبستر، وهي مسقط رأس مير حسين موسوي زعيم «الحركة الخضراء» والموضوع رهن الإقامة الجبرية، لتوصيل رسالة مفادها أن موسوي لا يحظى بتأييد حتى في مسقط رأسه!

وقد أكد «التلاعب» في الانتخابات أن بعضا ممن يطلق عليهم اسم الشخصيات الإصلاحية، الذين تم السماح لهم بالترشح، قد تعرضوا لقدر كبير من الإذلال. وفي الواقع لا يوجد هناك أي سبب منطقي لزيادة معدل التصويت بمقدار 11 في المائة مقارنة بآخر استحقاقين انتخابيين لمجلس الشورى الإسلامي، اللذين كان معدل التصويت خلالهما يتعدى نسبة الـ50 في المائة بفارق ضئيل. ولم تترك الحملة الانتخابية التي استمرت لمدة أسبوع بصمة تذكر أو تأثيرا كبيرا، ولا سيما في ضوء عدم السماح للكثير من الشخصيات البارزة من أطياف وفصائل مختلفة، بما في ذلك الشخصيات التابعة للرئيس محمود أحمدي نجاد والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، بالترشح لتلك الانتخابات، وهو ما أفقدها بريقها وجعل الناخبين لا يهتمون بها كثيرا.

وقد استغل النظام حقيقة أن الرئيسين السابقين رفسنجاني ومحمد خاتمي قد صوتا في تلك الانتخابات في نهاية المطاف. ومع ذلك، نجح رفسنجاني، بطريقة ذكية كما هو الحال دائما، في تحقيق نوع من التوازن في عملية التصويت عن طريق توجيه رسالة لمشاهدي التلفاز بأنه يأمل «أن يتم الإعلان عن العدد الحقيقي للأصوات هذه المرة»، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في عام 2009. ومن جانبه، أصدر خاتمي بيانا يشرح فيه أسباب تصويته في الانتخابات، ولم يشر في هذا البيان إلى خامنئي أو إلى ولاية الفقيه أو حتى إلى الإسلام، وبدلا من ذلك، حاول تصوير نفسه على أنه الحارس الأمين على أهداف ثورة 1979 التي لم تتحقق.

وبغض النظر عن عملية الإقبال على الانتخابات، لا تشير النتائج إلى التأييد الكبير الذي كان يتمناه خامنئي للدولة الإمامية. وقد أشار المرشحون الأكثر ارتباطا بخامنئي إلى أنفسهم من خلال الإشارة إلى ولاية الفقيه أو من خلال الاختلافات حول هذا الموضوع. وقد حصل أنصار خامنئي على نصف الـ200 مقعدا التي تم الإعلان عنها حتى كتابة هذا المقال، وقد ينتهي المطاف بمن يطلق عليهم اسم الإصلاحيين إلى الحصول على 40 مقعدا، في حين قد يحصل أنصار أحمدي نجاد، الذين يعملون على إخفاء هويتهم قدر المستطاع، على نحو 50 مقعدا. ويعني هذا أن نحو 100 مقعدا - لو كانت التحليلات الأولية صحيحة - سوف تذهب إلى ثلاثة أنواع من المرشحين، أولا: هذه الفئة التي تنحاز، مثلما هو الحال في كل الأنظمة السياسية، إلى جانب الفصيل الذي يبدو أنه سيفوز بالانتخابات. وثانيا: السياسيون المستقلون الذين يحظون بتأييد شعبي كبير، ولا سيما في المناطق التي توجد بها الأقليات العرقية. وأخيرا: نحو 12 مرشحا على الأقل يمثلون المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية. إن الاستحقاق الانتخابي الأخير، الذي يعد بمثابة مجاملة تقدمها الرذيلة للفضيلة، لا يغير – أو في الحقيقة لا يستطيع تغيير – أسس نظام يعاني من حالة من الشلل جراء التناقضات التي تدب في أوصاله. ولا تزال المؤسسة الخمينية في حالة انقسام بين الفصائل التي تشحذ سكاكينها ضد بعضها البعض، في انتظار أول فرصة لطعن المنافسين.