الإيمو في العراق

TT

لم تقتصر أخبار العراق على التفجيرات والقتل والموت، بل اليوم انبرت وبوقت واحد عدد من الأقلام العراقية ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض كتاب الأعمدة في الصحف العراقية بانتقاد الإجراءات الحكومية المتخذة ضد بعض الشباب من مروجي ظاهرة الإيمو في البلد، وهي ظاهرة تشبه الشباب بالمرأة في لبسها ومشيتها ومكياجها، وتناسى هؤلاء أن هذه الإجراءات ليست قمعية بقدر ما هي تهذيبية نابعة من غايات نبيلة تراعي الانتماء الإسلامي للمجتمع العراقي من جهة، ومن جهة ثانية من أجل تحصين الشباب العراقي من الأفكار الهدامة التي تضاهي الإرهاب في بعض صورها، وتقود لمخاطر اجتماعية كثيرة وكبيرة، ولا يخفى على أحد أن هذه الظاهرة قد تكون طبيعية في المجتمعات الغربية التي تعاني من الانحلال، لكنها مرفوضة في مجتمعنا وأي مجتمع عربي أو مسلم، ولا يمكن القبول بها، ولا يمكن إدراجها تحت بند حقوق الإنسان والحريات العامة كما حاول البعض ربطها بذلك دون أن يطالعوا حقوق الإنسان جيدا، التي تقوم على حفظ كرامة الإنسان وليس مسخه كما يحصل من قبل مروجي هذه البدع ومستورديها الآن.

وحقيقة استغربت جدا من دفاع البعض عن هؤلاء، ولكن استغرابي تبدد حين أدركت أن البعض من الكتاب العراقيين يدافعون عن أي باطل مهما كان، طالما أنهم سيضمنون دفاعهم (شتائم للحكومة) ويعتبرون ما تقوم به الأجهزة المختصة، حتى وإن كانت أجهزة طبية نفسية غايتها علاجية وتصحيح سلوكيات شاذة، بطشا ومصادرة للرأي وحرية الرأي، متناسين أن الحرية لا تعني هذه السلوكيات الشاذة التي تصل حد الزواج بالمثل، بينما لا يعتبرون ما يتصرف به البعض وتشبيه أنفسهم بالنساء وارتداء ملابسهن إهانة لمخلوق خلقه الباري عز وجل ليكون رجلا وليس امرأة، والغريب في دفاع هؤلاء أنهم يطالبون الحكومة بملاحقة القوى الإرهابية بدل التفرغ لملاحقة الشباب!! وهنا ضحكت كثيرا لأن هؤلاء الكتاب أنفسهم كتبوا أعمدة طويلة عريضة في الصحف ومواقع الإنترنت ينددون بالاعتقالات التي طالت عددا من الإرهابيين، ويطالبون بإطلاق سراحهم، رغم أن بعضهم ألقي القبض عليه وهو يزرع عبوة في شارع عام!

وبعض هؤلاء الكتاب يقول: إنه ليس من حق الحكومة أن تنصب نفسها مسؤولة عن أخلاق الناس وسلوكهم الاجتماعي وملبسهم ومأكلهم، هذا كلام في جزء منه صحيح، وهو ما يخص المأكل، ولكن الحكومة مسؤولة عن تربية جيل حتى لا يقال إن الحكومة فشلت في تنشئة جيل، وإلا لما فتحت المدارس والجامعات، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن (الحكومة) لا تصادر حرية الناس في بيوتهم، لا تقتحم البيوت وتحاسب عن الملبس والمأكل والمشرب، ولا حتى من يحتسي الخمور في بيته، فهذا بيته وهو حر فيه، لكن الشارع ملك للجميع، ولا يمكن أن يكون حكرا لفئة من الشباب يسرحون ويمرحون، بل حماية الشارع من صميم واجب حماية أمن المواطن، وهذا الأمن لا يقتصر على ملاحقة المجرمين والإرهابيين وتنظيم المرور وإصدار الوثائق الثبوتية وملاحقة مروجي المخدرات، بل الأمن الحقيقي يكمن في حماية الفكر من الشذوذ الذي يحاول بعض الكتاب أن يجعلوه ظاهرة في العراق، ومن ثم يكتبون في مواقعهم أن الحكومة أهملت تربية الناس فشذت الأجيال عن طريق الصواب.

وأنا هنا لا أدافع عن الحكومة، غير أنني أجد أن بعض المحسوبين على الإعلام العراقي وأغلبهم من حاملي الفكر البعثي، يتناسون رسالة الإعلام الحقيقية التي تكمن في التوعية والتصدي للظواهر الشاذة، وليس الترويج لها والدفاع عن معتنقي هذه الظواهر خاصة. لهذا من واجبنا جميعا نبذ الأفكار الشاذة وعدم الدفاع عنها، لأن الدفاع هنا يعني القبول بها، وهذا ما يشجع البعض على التمادي في ذلك.

لهذا أجد أن جنوح بعض الأقلام والصحف والمواقع والفضائيات العراقية لانتقاد الحكومة في مسألة لا يختلف فيها وعليها الشعب العراقي مسألة يجب التوقف عنها، لأنها تمس الإعلام العراقي وواجباته وأهدافه، فبالتأكيد ليس من واجب الإعلام أن تنهار قيم المجتمع بهذه الصورة إلا إذا كان هدف الإعلام تهديم المجتمع ومسخ الشباب العراقي والعربي المسلم.