رئيس مصر بين الإسلام السياسي والنظام السابق

TT

مع فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية في مصر في العاشر من مارس (آذار)، دخلت مصر المرحلة النهائية لنقل السلطة من المجلس العسكري الذي عينه حسني مبارك، وتنصيب رئيس جديد للبلاد. وهذا ما اعتبره بعض المحللين بداية لحكم الجمهورية الثانية من المدنيين، بعد سقوط جمهورية العسكريين التي أقامها انقلاب يوليو (تموز) 1952. ومع بدء معركة المرشحين للرئاسة، اشتد الصراع بين القوى السياسية على اختيار من يعبر عن سياساتها، كما اشتدت المنافسة بين المرشحين للجلوس على مقعد الرئاسة لمدة أربع سنوات. ومع عدم وجود إشارة واضحة لتحديد المرشح الذي سوف يفوز بأصوات غالبية الناخبين، حيث لا توجد وسائل دقيقة لاستطلاع الرأي، فإن القوى السياسية المتصارعة بدأت تستعد لاختيار المرشح الذي تدعو لنصرته من بين نحو عشرين من الذين أعلنوا ترشحهم.

ورغم انقسام القوى السياسية من الأحزاب القديمة وجمعيات شباب الثورة و«الإخوان المسلمين» وجماعات السلفية، فإن الصراع الحقيقي يجري بين تيارين اثنين فقط: تيار الإسلام السياسي الذي يرى ضرورة إقامة نظام ديني يعيد الخلافة الإسلامية في مصر، وتيار ليبرالي يعمل على إعادة مسيرة ثورة 1919، وبناء نظام مدني يقوم على أساس تبادل السلطة. ولما كانت الانتخابات البرلمانية قد أعطت التيار الإسلامي أغلبية تفوق 70%، فإن انتخاب رئيس للجمهورية يمثل ذات التيار سوف يحدد مستقبل النظام القادم في مصر، وبدلا من الجمهورية الثانية يبدأ عصر جديد للخلافة في مصر.

ومع صعوبة التعرف مسبقا على الاتجاه الذي سوف يسلكه الناخبون المصريون الذين يبلغ عددهم نحو 28 مليونا، فالكل يدرك أن ما حدث بالنسبة لانتخابات البرلمان ليس بالضرورة أن يتكرر في انتخابات الرئاسة. وإذا أخذنا ما جرى في الانتخابات الأميركية مثلا، فبينما فاز الجمهوريون بالأغلبية في الكونغرس، فاز باراك أوباما مرشح الحزب الديمقراطي بالرئاسة.

بالنسبة للانتخابات المصرية هناك سبعة مرشحين لديهم فرصة النجاح في الانتخابات القادمة، إلا أن هؤلاء السبعة ينتمون إلى فصيلين محددين، فأربعة منهم ينتمون للنظام السابق:

عمرو موسى - الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والذي كان وزيرا للخارجية في عهد مبارك، وأحمد شفيق – الذي كان قائدا لسلاح الطيران ثم عين وزيرا للطيران المدني ورئيسا للوزراء لنحو خمسة أسابيع في عهد مبارك، ومنصور حسن - رئيس المجلس الاستشاري الذي كان وزيرا للثقافة والإعلام في عهد أنور السادات، وعمر سليمان – مدير المخابرات السابق الذي تولى منصب نائب رئيس الجمهورية لبضعة أيام.

وثلاثة يمثلون التيار الإسلامي:

عبد المنعم أبو الفتوح - عضو سابق بمكتب إرشاد «الإخوان المسلمين»، ومحمد سليم العوا - الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي، وحازم صلاح أبو إسماعيل – مرشح السلفيين.

وبينما تتفق جماعات التيار الإسلامي على ضرورة مناصرة مرشح يمثل برنامج الإسلام السياسي، مع اختلافهم في من يكون هذا الشخص بين المرشحين، هناك اختلاف جوهري بين الجماعات الليبرالية فيما يتعلق باختيار الرئيس القادم. فالبعض – مثل حزب الوفد – لا يجد غضاضة في اختيار عمرو موسى أو منصور حسن، بينما البعض الآخر – مثل جماعات شباب الثورة – يرفض اختيار أي شخص سبق أن شغل منصبا سياسيا في أيام النظام السابق. ورغم أن المرشحين الأربعة هم من الرجال الشرفاء الذين لم يتورطوا في فساد النظام السابق، فإن الثوار يرفضون التعامل معهم.

كان هذا هو ذات الانقسام الذي حدث داخل التيار الليبرالي أثناء الانتخابات البرلمانية، والذي ساعد في حصول الإسلاميين على أغلبية كبيرة في هذه الانتخابات. فلم يكن في مصر قبل الثورة سوى فريقين لديهما القدرة على التنظيم وممارسة النشاط بين الجماهير. فبينما اعتمد الحزب الوطني على أجهزة الدولة التي يسيطر عليها من الشرطة والمحافظين لضمان الحصول على غالبية مقاعد البرلمان، اعتمد التيار الإسلامي على عشرات الآلاف من المساجد الخاصة التي أقيمت في جميع أنحاء البلاد، بعيدا عن سلطة الأزهر ووزارة الأوقاف، حيث كان الإسلاميون ينشرون مبادئهم من فوق منابرها، دون تدخل أو رقابة من الدولة.

ورغم سقوط النظام السابق وإلقاء القبض على جميع مسؤولي الحزب الوطني الذين أفسدوا الحياة السياسية من قبل، أصر شباب الثورة على حل الحزب الوطني ومنع ترشح أي من أعضائه السابقين. كان يمكن اعتبار هذا الاتجاه صحيحا لو كان شباب الثورة لديهم تنظيم سياسي يمكنهم من الحلول مكان الحزب الوطني المنحل، لكن الجماعات الإسلامية المنظمة هي التي استفادت من الفراغ الناتج عن اختفاء الحزب الوطني، فحصلت على ذات الأغلبية التي كان الحزب الوطني يحصل عليها.

الآن بعد استبعاد أحمد زويل لأن زوجته أجنبية وانسحاب محمد البرادعي بسبب الضغوط التي مورست عليه، لم يبق سوى ستة مرشحين يتصارعون عن كرسي الرئاسة، ليس بينهم من يمثل الثورة. وليس هناك سوى طريقين لا ثالث لهما، إما اختيار رئيس تعامل مع النظام السابق، يعيد الاستقرار لمصر ويسمح بحرية العمل السياسي لجمع التيارات حتى موعد الانتخابات النيابية والرئاسية بعد أربع سنوات، لتكون أكثر تمثيلا لأهداف الثورة، وإما اختيار نظام ديني يضع نهاية لمسيرة الحياة النيابية التي بدأت في 1919، وتبدأ مرحلة جديدة لنظام حكم إسلامي يلغي الجمهورية ويقيم الخلافة.