كيف يمكن تقويض النظام الإيراني؟ العقوبات لا القصف

TT

بعد مرور أسبوع آخر من انعقاد شبه مستمر للمباحثات بشأن الحرب ضد إيران، ظهر احتمال مخالف للتوقعات، وهو إلزام إدارة أوباما نفسها، في إطار محاولتها لمنع إسرائيل من توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، بحملة ضغط يمكنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير النظام في إيران، إن تم تبنيها بالحماس الكافي. ويستهدف تعهد الرئيس أوباما بزيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية وغيرها على إيران، استغلال الحلقة الضعيفة في النظام الإيراني. ونقطة الضعف الأساسية في نظام الملالي هي البنية السياسية المنقسمة على نفسها، التي لا تحظى بشعبية، لا البرنامج النووي الذي يحظى بدعم شعبي على ما يبدو. ويمكن أن تساعد تلك الحملة على اهتزاز هذه البنية السياسية. ولا يعد نظام رجال الدين هدفا معلنا بالنسبة للولايات المتحدة، لكنه يمثل خطرا متناميا عليها بسبب القوى المؤثرة. وبمرور الشهور سوف تقوض العقوبات والإجراءات الأخرى القاعدة السياسية والمالية للنظام، مما يؤدي إلى خنق القيادة السياسية ودفعها إلى القيام بأفعال متهورة تبرر رد فعل عنيفا.

يشبه هذا الموقف الفخ الذي يضيق على الفريسة كلما حاولت الفكاك منه. وأوضح وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، ذلك، عندما قال يوم الخميس، إن الولايات المتحدة كانت تتأهب لتبني الخيار العسكري في حال لم تثمر الضغوط غير العسكرية. من المفارقة أن يكون أسوأ خيار لتغيير النظام قيام إسرائيل بضربة عسكرية أحادية الجانب. بالنظر إلى قدرات إسرائيل، ستحدث الضربة العسكرية دمارا كفيلا بحشد الدعم السياسي للقيادة الإيرانية وتغيير مسار الربيع العربي، لكنها لن تكفي لعرقلة تقدم البرنامج النووي الإيراني. وأخبرني أحد قادة المعارضة الإيرانية، الأسبوع الماضي، أن مثل هذه الضربة سوف تكون بمثابة «هبة إلهية للملالي»، حيث ستدعم موقفهم السياسي، بدلا من أن تضعفه.

ما أسفرت عنه المباحثات الأميركية - الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، شكل من أشكال توزيع الأدوار، حيث يتجه الغرب نحو ما يصفه بـ«العقوبات المعرقلة»، بينما تنتظر إسرائيل بفارغ الصبر خارج الحلبة، وعلى استعداد لدخولها وتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران. وقد أعاد هذا الضغط المشترك إيران بالفعل إلى طاولة المفاوضات، وهو أمر مرحب به، لكنه غير كاف لتراجع الغرب.

ومع زيادة تأثير العقوبات على صادرات إيران من النفط وعائداته، مما يزيد النظام ضعفا، ربما على طهران التفكير في التوصل إلى تسوية من خلال المفاوضات، وهو ما شبهه آية الله الخميني في الماضي بشرب «كأس من السم»، أو المبادرة بتوجيه ضربة عسكرية، وهو قرار خطير بالنظر إلى قوة الرد الأميركي وقدرة إسرائيل والمملكة العربية السعودية على امتصاص الضربة الإيرانية الأولى.

بالنسبة للمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يبدو هذا مأزقا مزدوجا؛ إذا كان يقدم، فيما يتعلق بالبرنامج النووي، صفقة تكون مقبولة للغرب، فإنه يخاطر بتقويض ما ينظر إليه بوصفه شرعية النظام. لكن إذا لم يقدم صفقة، فسيستمر الضغط. في نهاية المطاف، يجب أن يكون هناك نوع من التضحية.

ويشير كريم سجادبور، خبير إيراني في معهد «كارنيغي» للسلام الدولي، تُدرس آراؤه عن كثب في البيت الأبيض، إلى أن النظام الإيراني يستنزف قواه شيئا فشيئا إلى أن ينهار تماما لمصلحة برنامجه النووي. وهو يشبه العملية بانهيار الاتحاد السوفياتي، الذي استنزف كل ما يملك من إمكانات في سباق تسلح خاضه مع الولايات المتحدة.

ويحلو لسجادبور أن يستحضر مقولة قديمة عن الحكام الديكتاتوريين: «بينما يحكمون، يبدو انهيارهم أمرا لا يمكن تصديقه. وبعد سقوطهم، يبدو انهيارهم أمرا محتوما». ويرى أن إيران «على مفترق طرق من تلك القاعدة».

الآن، مع بدء الضغط على إيران، ثمة خطر محتمل في حالة توقف هذا الضغط بسرعة فائقة، تاركا إيران محطمة، ولكن قوية في الوقت نفسه، تسعى للأخذ بالثأر. يمكن أن يتحقق هذا الإنهاء المبكر للضغط من خلال وقف سريع لإطلاق النار بموجب قرار من الأمم المتحدة، بعد هجمة إسرائيلية أحادية الجانب، أو بسبب إلغاء الغرب العقوبات قبل الأوان، تاركا التجهيزات النووية الإيرانية كما هي، دون أي مساس بها.

يمتلك الغرب إمكانات خفية إضافية في هذه الأزمة، بين العقوبات والنزاع العسكري المفتوح. إنها وسيلة لزيادة تكاليف الأعمال الإيرانية، من دون اللجوء للحرب. غالبا لا يتحدث المسؤولون عن هذا النطاق من «الإجراءات السرية» لأسباب واضحة، لكن من السهل تخيل العواقب المحتملة: تعطيل مرافق بحثية مرتبطة بالدفاع وخلط سجلات مالية وتجارية أخرى. ربما تبدو هذه خيارات متطرفة، ولكنها في المقام الأول خيارات غير مميتة.

«يمكنك أن تلحق أضرارا جسيمة بإيران»، هكذا يتحدث مسؤول أجنبي. ربما لا تجبر حملة الضغط الجارية القيادة الإيرانية الحالية على عقد صفقة، حسبما أشار المسؤول، لكنها تزيد احتمالية انهيار النظام نتيجة لسلوكه المتبجح.

* خدمة «واشنطن بوست»