أنف وثلاثة ذقون!

TT

لفترة غير بسيطة من الزمن في الأيام التي مضت، انشغل المجتمع المصري وإعلامه بقضية التجميل التي أجراها النائب البرلماني المثير للجدل عن حزب النور السلفي أنور البلكيمي، الذي أخذت قضيته سجالا وتباينا في أقواله ومدى تطابقها مع الحقيقة، وقوله الأول أنه قد تعرض لاعتداء أدى لإصابته في وجهه، بينما الحقيقة غير ذلك تماما، وتحول السجال إلى تصعيد في الرأي يوضح حدة الاستقطاب السياسي الموجود على الساحة السياسية بمصر، حتى تحول هذا الأمر لمجال واضح للسخرية والاستخفاف، ليدلي المصريون بدلوهم المعتاد وبالتنكيت على ذلك قائلين إن أشهر أنفين في تاريخ مصر هما أنف أبو الهول المحطم وأنف البلكيمي المجمل!

استهلكت هذه القصة مساحة مهولة من الجدل والحوار الإعلامي، وجميعها كانت باسم الدين الذي بات يمثله الآن تيارات مختلفة داخل البرلمان المصري، وكل منهم يتحدث باسمه ويدعي تمثيله الحصري، وبات الناس قادرين في مصر على تمييز وتفريق كل طرف بحسب هيئته الخارجية وبحسب «شكل» اللحية أو الذقن كما يطلق عليه بالعامية.

فالسلفيون لهم لحيتهم الطويلة، والإخوان المسلمون لهم لحية وكأنها محددة الملامح منسوخة بالتمام والكمال بين أعضاء الجماعة، وهناك اللحية الحرة لمن لا ينتمون لا للتيار السلفي ولا الإخواني، كل هذا الحراك والجدال والحوار الصحي تارة، والموتور تارات، كان قبل سويعات من انطلاق سباق انتخابات الرئاسة المصرية، وهي الجائزة الكبرى والأخيرة التي ينتظر نتيجتها الناس باعتبارها آخر مرحلة سياسية مهمة في تعيين المناصب الأخيرة.

طبعا سباق الرئاسة المصرية مفتوح على مصراعيه، هناك أكثر من 154 مرشحا أعلنوا رغبتهم في الترشح لهذا المنصب الحيوي (وإن كانت الصلاحيات لهذا المنصب غير واضحة الملامح بعد بشكل كامل، لأن البرلمان سيحسم ذلك لاحقا).

المرشحون الرئيسيون لهذا المنصب باتوا معروفين، إذ هم يروجون لأنفسهم منذ فترة ليست بالقصيرة ولا بالبسيطة. هناك عبد المنعم أبو الفتوح المرشح المستقل، وهو الذي كان محسوبا سابقا على تيار الإخوان المسلمين، ومن ثم حصل طلاق كبير بينهما، ولكنه يلقى قبولا مهما في الشارع، ودعم المسيحيين، وتحديدا الكنيسة، ومباركة يوسف القرضاوي عالم الدين الإسلامي المؤثر على الناس في مصر. وهناك وزير الخارجية والأمين العام لجامعة الدول العربية السابق عمرو موسى الذي يحاول الاستفادة من اسمه المحبوب كنجم سياسي ومتحدث له قبوله في الشارع، ولكن خصومه يركزون دوما على أنه من رموز النظام السابق، مع عدم إنكارهم أنه خرج من النظام ضحية غيرة الرئيس السابق محمد حسني مبارك بسبب ارتفاع شعبيته وسط الجماهير، وهي مسألة كان لا يطيقها مبارك أبدا.

وطبعا هناك المفكر الإسلامي والمحامي المعروف محمد سليم العوا، صاحب العلاقة المتوازنة مع المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان المسلمين، والمعروف بدفاعه عن القضايا القومية الكبرى، والذي يركز على المحاور غير المركزية في العمق المصري بعيدا عن منطقة القاهرة والإسكندرية التي يركز عليها كل المرشحين الآخرين. وهناك حازم أبو إسماعيل المرشح المفترض للتيار السلفي، وهو يخطب ود هذا التيار بشكل أساسي، ولكن هناك رسائل متضاربة من حزب النور السلفي، أحد أهم أصوات التيار السلفي السياسي بمصر، أنه لن يكون أبو إسماعيل هو مرشح الحزب بالضرورة، وأنهم لم يستقروا على اختيار نهائي حتى الآن، وهو ما قد يكون أمرا صادما بالنسبة لحازم أبو إسماعيل لو ما حصل ذلك.

وهناك طبعا أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وهو عسكري وقيادي مشهود له بالحسم والإنجاز، ولكنه يحمل وزرا مهولا هو أنه «محسوب» على النظام القديم، وإن كان لم يستفد من جراء ذلك على الصعيد المالي الشخصي، ولكنه يعتقد أن فرصته قائمة، وأن هناك قاعدة شعبية له ستسانده. وهناك حمدين صباحي وهو محسوب على التيار الناصري والقومي والاشتراكي، ولكن يعتقد أن فرصه ضئيلة جدا، إذ إن رهانه قائم بشكل أساسي على الإرث الناصري العتيق، وهو ما يتبناه عدد لا بأس به من رموز الإعلام المستقل في مصر، والقادر على تحريك الشارع، ولكن فرص الرجل تبقى ضئيلة جدا.

وهناك أيضا المرشح المفاجأة الذي أطلق عليه المرشح التوافقي، وهو الوزير الأسبق منصور حسن، وهو الرجل الذي يعلب دورا في مجلس الحكماء، وله دور مهم في العلاقة مع المجلس العسكري، وكان أبرز المرشحين لمنصب نائب رئيس الجمهورية في عهد أنور السادات، ولكن السادات خشي من ردة فعل الجيش، فاختار مبارك، وانتقم مبارك من منصور حسن لاحقا بعزله بعيدا عن المناصب والأضواء، ولكن الرجل اليوم مرغوب من المجلس العسكري، ولكن كبر سنه يجعله غير مرغوب من الناخب الشاب. وهناك هشام البسطويسي القاضي المستقيل المعروف بنزاهته، ولكن قلة موارده ستجعل المهمة مستحيلة.

وهناك آخرون كثر، ولكن هناك أيضا غياب صادم لمحمد البرادعي الذي انسحب من سباق الرئاسة احتجاجا، وعمر سليمان نائب الرئيس الأخير في عهد حسني مبارك، الذي رفض الترشح للسباق الحالي، ولكن الشيء الأهم في كل ذلك أن جميع هؤلاء المرشحين سيسعون لكسب الصوت الديني في الشارع المصري، لأن المشهد الديني أصبح بطل الساحة السياسية، فأي الذقون سيختارون؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي سيواجه الناخب والمرشح في مصر اليوم.

[email protected]