حرب الشلبي

TT

سمعنا اسم أحمد الشلبي المرة الأولى في لبنان عندما تزوج بابنة عائلة معروفة. وغاب الاسم ثم ظهر في قضية مصرفية في الأردن، غادر على أثرها إلى لندن. وغاب الاسم من جديد في دنيا المال، حيث يذكر إما بإعجاب أو بعلامة تعجب. وانزوى الاسم مرة أخرى لبضع سنين، ثم ظهر هذه المرة كرجل مال سابق ورجل سياسة، يحلم الحلم الذي لا يجرؤ أحد أن يقبل مراودته: الإطاحة بصدام حسين.

لم يتمكن أحد من أخذ أحمد الشلبي على محمل الجد. لا هو ولا المجلس الوطني العراقي الذي يرأسه، والذي كان توليفة من بعض عائلات العهد الملكي ومن بعض رجال صدام السابقين. ولم يرَ أحد منا أن الجدية تستحق التفكير، لأن الشلبي راح يحاول الرهان على أميركا في مساعدته على خلع صدام حسين. والسبب، وأقول ذلك مع الاعتذار، أن لا أميركا موضع ثقة ولا الشلبي موضع رهان.

شخصيا، لم أصدق عيني إلا عندما رأيت الشلبي في العراق محاطا بحراسة رجال المارينز، الذين قرأنا أن الذين كانوا في طول قامتهم، هم الذين بنوا الأهرامات. ومرة أخرى، غاب الشلبي بعد هذا الظهور الشبيه بأفلام «أفاتار» وروايات كنوز الملك سليمان. وفيما ظهرت وجوه وغابت وجوه وعادت وجوه، خلال العهد الأميركي المباشر، بقي الشلبي في الظل، إلى أن ظهر في أقل الأمكنة توقعا واحتمالا: طهران.

ولم يعد أحد يعرف أين يسكن: هل عاد إلى لندن، حيث مقر المجلس الوطني قرب «هارودس»، توفيرا لمشقة المسافات؟ هل عاد إلى شيكاغو؟ أين يمكن أن «يختفي» وجه في مثل هذه الشهرة؟ لا مكان. كان ولا يزال في بغداد. ليس في الواجهة، ولكن ليس مغلوبا. ليس صديقا لأميركا، ولكن أيضا ليس عدوا لإيران. التحالف الثابت الوحيد هو بين أحمد الشلبي وأحمد الشلبي، أولا وأخيرا. دائما وأبدا.

يروي ريتشارد بونين، أحد أشهر الصحافيين الأميركيين الموثوقين في «أسهم الليل» (بمعنى النشَّاب) حكاية رجل ضحك على أميركا. رجل قرر أن يجر أميركا إلى الحرب على غريمه، ونجح في ذلك. وعندما أدرك الشلبي أن العهد سوف يكون عهد المحافظين الجدد، لم يتردد لحظة في اللجوء إليهم. وبمعاونة رموزهم الطغاة، مثل ريتشارد بيرل وبول وولفوتز، دفعوا ساذجا يدعى جورج بوش لشن الحرب على العراق.

المفاجأة (على الأقل في الكتاب) أن صدام حسين عرض (من خلال مؤلف الكتاب كواحد من الوسطاء) أن يسمح للمفتشين بالذهاب إلى أي مكان في اللحظة التي يشاءون. لكن الشلبي أقنع الزمرة التي لا تريد الاقتناع بغير ذلك، أن صدام يناور ويخادع. هكذا كانت الحرب، التي في أكثرها كانت حرب الشلبي.