أخف الضررين وطأة لم يسلم

TT

أعلنت وزارة المالية اليونانية قبل أيام عن أنها قد حصلت على موافقة من نسبة 85.8% من حملة السندات للمشاركة في مبادلة الدين الخاصة بها. وأكدت وزارة المالية أيضا على أنها ستطبق شروط المبادلة على جميع حملة السندات، من بينهم هؤلاء الذين يختارون عدم المشاركة. ويمثل الإتمام الناجح لمبادلة الدين السيادي خطوة مؤثرة على طريق تفعيل حزمة الإنقاذ اليونانية: فهي تقلل حجم الدين السيادي اليوناني بقيمة 105 مليارات يورو وتلبي الشرط المسبق اللازم لتنفيذ حزمة الإنقاذ الثانية المقدمة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والمقدرة بـ130 مليار يورو. الأمر الأكثر أهمية هو أنها قد منعت عجزا عشوائيا عن السداد من جانب اليونان. ومع ذلك، فهناك جوانب سلبية تستحق أن توضع في الاعتبار.

وبموجب شروط مبادلة الدين، سيحصل حملة السندات على نسبة 31.5% من القيمة الأساسية لسنداتهم الحالية في صورة سندات جديدة تصدرها اليونان بآجال أطول (تتراوح ما بين 10 أعوام إلى 30 عاما) وكوبونات أقل (تتراوح نسبتها ما بين 2% إلى 4.3%). كذلك، سيحصل حملة السندات على نسبة 15% من القيمة الأساسية لسنداتهم الحالية في صورة أذون خزانة يصدرها النظام الأوروبي للمراقبين الماليين وأوراق مالية مرتبطة بإجمالي الناتج المحلي تصدرها اليونان. وستقلل مبادلة الدين القيمة الاسمية لسندات حملة السندات بنسبة 53.5% والقيمة الاقتصادية بنسبة 70% بموجب صافي القيمة الحالية. ويتكبد حملة الأسهم خسارة كبيرة على القيمة الاقتصادية لسنداتهم، غير أن البديل هو المخاطرة بخسارة ممتلكاتهم كاملة في حالة عجز عشوائي عن السداد.

ليس من المرجح أن يكون تأثير مبادلة الدين اليوناني بالنسبة للبنوك الأوروبية كبيرا. إن البنوك التي تتبع نظام حساب قيمة السندات اعتمادا على سعرها الحالي في السوق لن يكون من المحتمل أن تعاني من أي تخفيضات إضافية في حجم القيمة نتيجة لعملية المبادلة، إذ إن قيمة السوق للدين اليوناني قد عكست تخفيضا كبيرا لفترة من الوقت، كما عكس السواد الأعظم من البنوك هذا عن طريق خفض قيمة السندات اليونانية ودعم موقفها الرأسمالي. وسوف تحتاج البنوك التي قامت بخفض قيمة سنداتها اليونانية للقيام بذلك الآن، لكن ذلك سيكون في حالة حدوث عجز عشوائي عن السداد في ظل غياب مبادلة الدين.

وفيما زعمت اليونان أن مبادلة الدين طوعية، فإنها طوعية فقط إلى المدى الذي يمكن أن يستطيع من خلاله حملة السندات اتخاذ قرار في البداية بشأن ما إذا كانوا سيشاركون أم لا. ورغم ذلك، فإنه من خلال المشاركة بنسبة الثلثين، باتت اليونان غير قادرة على تطبيق «أحكام العمل الجماعي» التي تلزم بقية حملة السندات بالمشاركة، حتى مع اختيارهم عدم المشاركة. عادة ما تتمثل أحكام العمل الجماعي في بنود تعاقدية في الوثائق الخاصة بالسند والتي تسمح للمقرض بتعديل شروط السندات، بموافقة غالبية حملة السندات. ومن ثم، ربما تكون هذه الأحكام وسيلة فعالة في تنفيذ عملية إعادة هيكلة لدين بإجبار الأقلية التي آثرت عدم المشاركة على قبول عملية إعادة الهيكلة. ومثل هذه الأحكام عادة ما توجد في الوثائق الخاصة بالسندات، إذا كانت الدولة السيادية تقترض في أسواق رأس المال الدولية بموجب قانون سار بخلاف قانونها، بدلا من إصدار محلي يحكمه قانون محلي.

يحكم نسبة 90% من الدين السيادي اليوناني الذي تم إصداره محليا القانون اليوناني ولا يتضمن أحكام عمل جماعي تعاقدية. فقط نسبة ضئيلة من الدين اليوناني الذي قد صدر في الأسواق الدولية يحكمها القانون الإنجليزي وتضم أحكام العمل الجماعي. ورغم ذلك، فإن اليونان من خلال التشريع الذي يحكم مبادلة الدين التي أبرمت في يوم 24 فبراير (شباط) 2012 فرضت أحكام العمل الجماعي بأثر رجعي وبشكل أحادي الجانب على جميع السندات الخاضعة للقانون المحلي. كانت النتيجة أنه إذا ما اتفق ثلثا حملة السندات المؤهلون على الأقل على شروط المبادلة، بإمكان اليونان فرض الشروط نفسها على بقية حملة السندات، حتى إن لم يكونوا قد اختاروا المشاركة.

إن استخدام أحكام العمل الجماعي أو التهديد باستخدامها وسيلة لمنع بعض المستثمرين من الانتظار إلى أن تسدد لهم أموالهم بالكامل، ومن ثم الانتفاع بصورة غير عادلة من الخسائر التي يتكبدها المستثمرون المشاركون سعيا لتحسين الوضع المالي لليونان. وفي مواجهة اختيار بين المخاطرة بفشل مبادلة الدين أو ممارسة عنصر الإكراه على حملة السندات من خلال أحكام العمل الجماعي، يبدو مبررا أن اليونان قد وقع اختيارها على الخيار الأخير.

ومع ذلك، فإن هذا التعديل الرجعي أحادي الجانب من قبل اليونان لشروط سنداتها من شأنه أن يقضي على ثقة المستثمر ويزيد من صعوبة عودة اليونان إلى أسواق السندات. وربما يتسبب ذلك أيضا في رفع دعاوى قضائية بموجب شروط معاهدات الاستثمار ثنائية الجانب التي قد وقعتها اليونان مع دول أخرى، والبالغ عددها 40 معاهدة. وذكر بيل غروس، مدير الاستثمار المشارك بشركة «بيمكو»، إحدى أكبر شركات استثمار السندات في العالم، في مقابلة أجراها مع وكالة «بلومبرغ» أن الإجراء الذي اتخذته اليونان قد قلل «قدسية» العقود. ويتوقع البعض أن تتسبب مبادلة الدين في زيادة تكاليف التمويل بالنسبة لجميع دول منطقة اليورو.

وقد أصدرت جمعية المتعاملين في المبادلات الدولية، التي تحدد ما إذا كانت قد وقعت «حالات عجز عن السداد» تحفز على تنفيذ مبادلات العجز عن السداد، حكما مبدئيا بشأن إعلان عن مبادلة دين يونانية لم تعتبرها «إعادة هيكلة لدين»، ربما بسبب عدم تطبيق أحكام العمل الجماعي.

واليوم بموجب تطبيق أحكام العمل الجماعي، قضى اتحاد المتعاملين في المبادلات الدولية بأن تمثل مبادلة الدين اليوناني عملية إعادة هيكلة للدين، وبالتبعية سداد 3 مليارات دولار من حجم الدين السيادي الذي لم يسدد بعد، بموجب مبادلات العجز عن السداد. وهذه بلا شك هي النتيجة الصحيحة، حيث سيكون المستثمرون الذين اشتروا الحماية من حالة عجز عن سداد الدين اليوناني السيادي من خلال سوق مبادلات العجز عن سداد الدين قادرين الآن على الحصول على مبالغ بموجب عقود مبادلات العجز عن سداد الدين التي أبرموها. وأي نتيجة أخرى كان من الممكن أن تقوض الثقة في سوق مبادلات العجز عن سداد الدين السيادي ومصداقيتها.

ويتمثل أكثر الجوانب المقلقة في مبادلة الدين في قدرتها على خلق سابقة. تتمثل الفلسفة الأساسية التي تقوم عليها حزمة الإنقاذ اليونانية في أن اليونان «حالة خاصة» وأن ما ينطبق على اليونان لا يجب أن ينطبق على الدول المدينة الأخرى الهامشية في منطقة اليورو. ويجب توصيل تلك الرسالة بوضوح واتساق. ورغم قيمتها العملية في مساعدة اليونان في إعادة هيكلة ديونها وتلبية شرط مسبق من أجل الحصول على ثاني حزمة إنقاذ، يجب النظر إلى مبادلة الدين اليونانية بوصفها خيارا صعبا جدا وكريها من جانب اليونان في مواجهة ظروف عصيبة. ولا يجب النظر إليه بوصفه خيار إدارة ديون معقولا، ولا يجب تحت أي ظروف النظر إليه كخيار متاح لدول منطقة اليورو المتعثرة الأخرى. وبخلاف ذلك، ربما تثير مجرد احتمالية عقد مبادلات دين مماثلة من قبل دول هامشية أخرى في منطقة اليورو مخاوف بين المستثمرين وتقوض المصداقية والثقة في أسواق الدين السيادي في منطقة اليورو.

* محام ومصرفي أميركي في حي المال بلندن ـ المدير التنفيذي والشريك في شركة «اميرجينغ غروث انفيسمنت بارتنرز»