حرية الصحافة بتونس في بؤرة الاهتمام

TT

تعد تونس، التي فجرت ثورات الربيع العربي والأوفر حظا بإقامة نظام ديمقراطي، البلد العربي المفضل للجميع هذه الأيام. لذا سيكون من المزعج للغاية أن تنحرف تونس وحكومتها التي تمثل التيار الإسلامي المعتدل، بقيادة حزب النهضة الإسلامي، عن المسار الصحيح. وإذا لم تنجح تونس وحزب النهضة في إرساء حرية التعبير، فأي دولة عربية يمكنها القيام بذلك؟ مع ذلك توضح بعض الدعاوى القضائية مدى صعوبة التخلص من العادات القديمة، مثل محاكمة نبيل قروي، صاحب قناة «نسمة» التلفزيونية، التي تم تدشينها في الثالث والعشرين من يناير (كانون الثاني)، على خلفية مزاعم بالزندقة. ويواجه قروي اتهاما بـ«تكدير الأمن العام» و«انتهاك المقدسات» بسبب عرض فيلم الرسوم المتحركة الفرنسي «برسيبوليس» في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وكما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، يتناول الفيلم حياة شابة تنشأ في إيران ويحتوي على مشهد تعبر فيه عن سخطها وانتقادها لله، ويعد تصوير الله كما تتخيله انتهاكا للعقيدة الإسلامية التي تحرم تصويره.

ومن المحتمل أن يصدر حكم بسجن قروي لمدة خمسة أعوام في حال إدانته. وتم تأجيل هذه المحاكمة إلى شهر أبريل (نيسان)، لكن الحكم بالسجن ليس هو التهديد الوحيد الذي يواجهه قروي، فقد هاجمت عصابات من السلفيين التونسيين الغاضبين منزله وحاولت إضرام النيران في مكاتب القناة التلفزيونية.

على الجانب الآخر، تم حبس ناشر صحيفة «التونسية» عندما أعادت نشر صورة نشرت في الطبعة الألمانية من مجلة «جي كيو». وظلت صحيفة «التونسية» تنشر على الإنترنت فقط لمدة 5 أعوام خلال عهد زين العابدين بن علي، ولم تظهر نسختها الورقية إلا منذ بضعة أشهر فقط.

وكان يظهر في هذه الصورة، سامي خديرة، لاعب كرة القدم التونسي الشهير، ولاعب خط الوسط في فريق ريال مدريد، وهو يغطي صدر رفيقته، عارضة الأزياء، العاري بذراعه. وأعلن نصر الدين بن سعيدة، مدير الصحيفة، عن قيامه بإضراب عن الطعام وتم إطلاق سراحه بعد ثمانية أيام، لكن حكم عليه خلال محاكمته الأسبوع الماضي بغرامة بسبب مخالفته للآداب العامة.

وأدان حزب النهضة، الذي يرأس الحكومة الائتلافية، اللجوء إلى العنف ضد الصحافيين، حيث أصدر رئيس الحزب، راشد الغنوشي، بيانا يوضح فيه معارضته لاعتقال بن سعيدة، لكنه أردف بقوله إنه سيعاقب الشركة الناشرة للصحيفة بسبب نشر هذه الصورة. ويدعو رفض الغنوشي ووزير حقوق الإنسان والكثير من كبار المحامين التونسيين، الذين يدافعون عن بن سعيدة، إلى تعجب الكثيرين من انتهاء الحال بابن سعيدة خلف القضبان. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال صحافي منذ الإطاحة بابن علي، ولم يتضح بعد مصير محاكمة قروي.

وتعد طريقة معالجة الغنوشي لقضية حرية الصحافة، وهي الهجوم على الشركة لا الصحافيين، في غاية الدهاء، ففرض غرامة على الشركة لن يجذب انتباه العالم ولن يثير أي احتجاجات مثلما سيحدث في حال اعتقال صحافي. مع ذلك يمكن أن تجدي الطريقتان نفعا في تقييد حرية الصحافة التي تعد جديدة على تونس، لذا فإن إخفاق الغنوشي في دعم حرية التعبير يثير القلق. ويهيمن حزب النهضة على الحكومة التونسية والبرلمان، لذا سيكون من الصعب على المنظمات المطالبة بالحريات الدفاع عن حرية الصحافة، إن لم يدعم الحزب الحاكم ذلك.

ويدفع ذلك الولايات المتحدة والدول الديمقراطية الأخرى للتحدث علنا عن حرية التعبير في تونس. وصرحت منظمات حقوق الإنسان بهذا، حيث وجهت منظمة «مراسلون بلا حدود» خطابا مفتوحا إلى الرئيس التونسي الجديد تضمن تفاصيل عن أشكال الضغط المختلفة التي يتعرض لها الصحافيون الآخرون، والمطبوعات الأخرى. ورغم ذلك التزمت الحكومة الأميركية الصمت حيال هذا، حيث ينفي ليبراليون تونسيون وجود أي علاقة بين السفارة الأميركية في تونس والجهود الرامية لضمان استمرار تقديم النموذج التونسي باعتباره نموذجا للحرية. ولم تعلق وزارة الخارجية والبيت الأبيض على أي من هذه الوقائع.

وصرحت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، خلال زيارتها لتونس الشهر الماضي، قائلة: «نعتقد أن تونس تسير في الاتجاه الصحيح بحسب ما نرى، لكن الحوار، الذي يثير تساؤلات حسبما يستجد، سيظل قائما». مع ذلك لم تناقش كلينتون المشكلات التي أثيرت بالفعل أو تنتقد القيود المفروضة على حرية الصحافة، حيث قالت: «لقد أتيت لهدف محدد وهو دعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية هنا». وقالت عقب اجتماعها مع الرئيس التونسي: «يسير الجانب السياسي من الثورة في الطريق الصحيح. أؤيد الديمقراطية التونسية وما تم إنجازه حتى هذه اللحظة... التحدي هو كيفية سير التنمية الاقتصادية في تونس بموازاة التطور على الصعيد السياسي».

وهذا ليس صحيحا تماما، حيث يكمن التحدي في ضمان عدم تراجع تطور البلاد على الصعيد السياسي والحيلولة دون أن تصبح «الديمقراطية» مجرد غطاء يتخفى الحزب الإسلامي وراءه لتقييد الحرية السياسية. ويأتي هذا التقدير والتشجيع في محله، حيث تأتي تونس، من عدة أوجه، في مقدمة الدول العربية الأخرى على طريق إرساء نظام ديمقراطي يحمي ذاته واحترام حقوق الإنسان. مع ذلك نحن بحاجة إلى أن نفعل ما هو أكثر من ذلك نظرا لأهمية التجربة التونسية، فعندما يتم تهديد حرية الصحافة، ينبغي أن تدفع الولايات المتحدة نحو حمايتها.

* خبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية نائب مستشار الأمن القومي السابق للرئيس جورج بوش الابن

* خدمة «واشنطن بوست»