المرأة المظلومة والظالمة

TT

أعتقد أنه ليس هناك في أفريقيا دولة فاشلة بعد الصومال أكثر من السودان - مع احترامي ومعزتي لكل أحبابي من أهل السودان.

فمنذ 1956 تحديدا عندما بدأت فيها الانقلابات العسكرية وهي من (حفرة لدحديرة)، وها هي في النهاية (تقزمت) بعد أن كانت أكبر دولة عربية في المساحة، وكذلك أكبر دولة أفريقية، ولديها من المياه، والأراضي الزراعية الشاسعة، والثروات الطبيعية الأخرى ما كان يؤهلها لأن تكون بكل جدارة أغنى دولة في المنطقة.

ولو أن زعماءها الذين تعاقبوا على حكمها استلهموا فقط معاني الأغاني الرائعة التي أبدعها المطرب الراحل (محمد وردي) لكانوا بألف خير، وهو الذي تحامل على نفسه رغم المرض لكي يشهد توقيع اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب بعد معارك (جاهلة وغبية ومجانية) ذهب ضحيتها الملايين قتلا وجوعا وتهجيرا.

وازداد حزني على أهل السودان عندما قرأت مقابلة مع امرأة بائسة تدعى (ماري نيكوه لي)، وحكايتها باختصار: توفي زوجها الأول بين ذراعيها إثر جرح في معركة، أما زوجها الثاني فهو يقوم بضربها، والآن هي واحدة من أبناء الجنوب تعيش في الشمال غريبة تحاول جاهدة تربية ابنيها وابنتيها، والأسوأ من ذلك أن المهارة الوحيدة التي تتمتع بها هي تحضير الخمور بالمنزل والتي تعتبر جريمة خطيرة في دولة السودان الإسلامية، مما أدى إلى دخولها السجن أكثر من 10 مرات بالإضافة إلى مئات الجلدات، وأخذت تكشف عن ساقيها لتظهر آثار الندوب عليها، وأرادت أن تكشف عن بطنها وظهرها ليرى الجميع أخاديد السياط التي ألهبتها، لولا أن تداركها الحضور ومنعوها عن ذلك، وأخذت تبكي وتنوح قائلة: إنني لا أحسن غير هذه الصنعة يا ناس، ثم إنني أبيعها لمن يشتري ولا أدري من هو المسلم ومن هو المسيحي ومن هو الوثني؟!

مشكلة السودان الأساسية في هذا الوقت هي: (المزايدة) على الإسلام التي بزوا فيها كل العصور، وهي أصبحت بين مطرقة (جبهة الدستور الإسلامي) القريبة من الحكم التي يدعو فيها (مدثر أحمد إسماعيل) إلى حشد الطاقات وتحكيم شرع الله حتى ولو أدى إلى خروج أرواح الناس منهم - على حد تعبيره - وبين سندان (المؤتمر الشعبي) الذي يتزعمه الفيلسوف الإسلامي الضاحك والمضحك أبدا (الترابي).

أعود لتلك (الولية) الغلبانة ماري، وأقول: إنها ذكرتني بحكاية خلع الملابس مع الفارق بمقطع وصلني قبل أيام على (اليوتيوب)، بامرأة عاملة (نيجيرية)، كانت تركب السيارة في جدة مع كفيلها الذي ذهب بها إلى مكتب الترحيل لكي يسفرها، وحصلت بينهما مشادة ثم ملاسنة، فما كان منها إلا أن (تتبول)، أعزكم الله في السيارة، وعندما أراد كفيلها أن يعتدي عليها بالضرب لقاء فعلتها المشينة تلك، ما كان منها إلا أن تفتح باب السيارة ثم أخذت تقلع ملابسها قطعة خلف قطعة، وأخذت تتهادى كـ(سيد قشطة) في الشارع عارية تماما وهي تتحدى كل من يحاول الاقتراب منها، والعجيب أن كل الرجال قد تحاشوها، بل إن بعضهم قد أطلقوا سيقانهم للريح هربا من أمامها، لولا أن هناك امرأة فتح الله عليها عندما شلحت عباءتها وسترتها بها، وبعد ذلك تشجع الرجال وتكالبوا عليها وطرحوها أرضا وكتفوها.

ومن سوء حظ رجال هيئة الأمر بالمعروف أنهم لم يكونوا حاضرين لهذه الوجبة الدسمة.

[email protected]