إخوان الإمارات.. الولاء لمن؟!

TT

تدين جماعة الإخوان المسلمين في انتشارها في دول الخليج العربي - من بين كثيرين - إلى المليونير المصري عثمان أحمد عثمان، الذي أصبح فيما بعد وزيرا للإسكان فترة حكم الرئيس الراحل السادات. ولد عثمان لعائلة ميسورة، ونشأ فترة شبابه في محاضن الإخوان، ولكن بعد تخرجه في الجامعة مهندسا ترك التنظيم، وأقام علاقة وثيقة ببعض الضباط الأحرار، استطاع من خلالها أن يفوز بعقد للمساهمة في بناء السد العالي، وبمرور الوقت تحولت شركته «المقاولون العرب» إلى واحدة من أكبر شركات المقاولات في الشرق الأوسط.

لكن عثمان ظل متعاطفا مع الجماعة، ولهذا اقترح على مخابرات عبد الناصر أن من الأفضل تشغيل الإخوان في الخليج، لأنهم إذا استمروا عاطلين عن العمل سيظلون مشكلة بالنسبة للنظام، ولكن بمرور بضعة أعوام ومع تزايد أعداد الإخوان في الخليج، نشأ جيل من التلاميذ المتبنين لمنهج الإخوان، والذين تولوا دعم التنظيم ماديا. استدعى عبد الناصر عثمان ووبخه وهدد بسجنه، ولكن عثمان ذكّر ناصر بأن النظام المصري نفسه هو الذي قام بالسماح للإخوان بأن ينتقلوا للخليج. («لا إله إلا الله: مصر وانتصار الإسلام»، جنيف عبدو 2000).

حكاية التمدد الإخواني في الخليج لم تبدأ مع عثمان، فالجماعة منذ نهاية الثلاثينات وهي تحلم بتصدير فكرها ومنهجها إلى البلدان العربية والإسلامية، ولكن فترة الصعود الحقيقي تزامنت مع مرحلة السادات، حين أصبحت الجماعة قادرة على العمل والتحرك من دون قيود لمواجهة مراكز القوى والتيارات المناوئة للنظام، ولكن يحسب لشخصيات مثل عثمان أنها استطاعت «تبيئة» الإخوان في مناصب مهمة في القطاع الصناعي والتجاري، وأن يكونوا مع الوقت جمعيات دينية - نظرا لحظر الأحزاب في الخليج - في كل من الكويت والإمارات والبحرين وقطر، وكان لهم وجود نشط في السعودية على الرغم من حظر عمل الجماعة. في البداية لم يكن لدى دول الخليج أي مشكلة مع وجود الإخوان، فمن جهة كان منهجهم الديني مناسبا ومتساوقا مع الطبيعة المحافظة للدول الخليجية، ومن جهة أخرى ملأ الطرح الإسلامي الإخواني فراغا كانت تلك الدول تعاني منه في مواجهة التيارات اليسارية والقومية النشطة بين الشباب الخليجي، ولكن بمرور الوقت تحولت تلك الجمعيات من النشاط التربوي الأخلاقي إلى العمل السياسي، وبدأت في توجيه انتقادات للحكومات الخليجية، وجاءت المواجهة حينما وقف الإخوان ضد تحرير الكويت عبر تحالف دولي في عام 1991.

حاولت بعد ذلك الحكومات الخليجية أن تقلص من نفوذ الجماعة والمتأثرين بأفكارها خلال التسعينات، بعض الدول راهنت على التيار السلفي الحركي لمواجهة الإخوان. أما البعض الآخر فقد استخدم الترغيب والترهيب محاولا فصل الإخوان الخليجيين عن تبعيتهم للتنظيم الأم. يمكن القول إنه خلال العشرين عاما الماضية كانت هناك مواجهة صامتة وغير مباشرة بين الدول الخليجية والإخوان لسببين: أولهما أن المد الإسلامي الأصولي ظل في تنامٍ شعبي خلال التسعينات، وثانيهما أن دول الخليج لم تكن ترغب في القضاء على المنتمين للتنظيم، لكي لا تخل بالتوازن الاجتماعي الذي تنشط فيه تيارات إسلامية متباينة المناهج، بحيث يصعب تمييز من هو متأثر فقط بفكر الجماعة، ومن هو عضو فاعل بالتنظيم الدولي.

يروي الكاتب منصور النقيدان في دراسته «الإخوان المسلمون في الإمارات.. التمدد والانحسار» أن الحكومة الاتحادية حاولت معالجة موضوع الإخوان عبر احتوائهم، ففي سلسلة من اللقاءات التي أجراها الشيخ محمد بن زايد - ولي العهد - مع بعض الشخصيات المحسوبة على فكر الإخوان في 2003 حاولت الدولة احتواءهم، وقد عرضت السلطات الإماراتية ثلاثة خيارات على كوادر الجماعة من موظفي التعليم، وهي:

أولا: إعادة تأهيلهم وإبقاؤهم في وظائفهم التعليمية، بعد إعلان تخليهم عن الجماعة، والتبرؤ من بيعة المرشد، والمساهمة في بناء فكر إسلامي إصلاحي معتدل ومتسامح، وبعيد عن الأحزاب والتنظيمات، ومضاد لأفكار الجماعة. وتتكفل الحكومة بكل الدعم اللازم الذي يحتاجه «المحوَّلون».

ثانيا: التخلي عن الجماعة تنظيميا، واحتفاظ كل شخص بأفكاره الخاصة، بشرط ألا يقوم بترويجها أو الدعوة إليها، وهنا يتم إبقاؤه داخل مؤسسات التعليم ولكن بعيدا عن التدريس والتواصل مع الطلاب.

ثالثا: توفير فرص وظيفية خارج المؤسسة التعليمية لكل من اختار البقاء على انتمائه الحزبي رافضا عرض الحكومة. كما تقوم الحكومة أيضا بإحالة من قاربت فترته على الانتهاء إلى التقاعد («الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج»، مركز «المسبار» 2010).

بيد أن النتيجة لم تكن حاسمة، حيث أصرت قيادات الجماعة على حقها في النشاط، مما دفع بالسلطات الإماراتية إلى اتخاذ إجراءات وتدابير حكومية، بغية تنقية المناهج التعليمية من أيديولوجيا الجماعة، ولكن مع بداية الثورات العربية في 2011 تحولت جماعة الإخوان في مصر إلى موقع السلطة، بحيث تغير الخطاب الإخواني المهادن إلى المواجهة والتصعيد، حيث اعتبر المتأثرون بفكر الجماعة في الخليج أن الفرصة مواتية لينالوا ما يعتبرونه نصيبهم السياسي.

ما حدث من تراشق لفظي بالتهديد والاتهامات بين دولة الإمارات وتنظيم الإخوان في مصر مؤخرا، خرج بالصراع إلى العلن. حيث قامت الإمارات بسحب الجنسية من شخصيات قيل إنها مرتبطة بمشروع مناوئ للوحدة الإماراتية، تلا ذلك تهجم من الشيخ الإخواني يوسف القرضاوي على السياسة الإماراتية وترحيلها لمتظاهرين سوريين. المسؤولون في الإمارات عبروا عن استنكارهم للتدخل في شؤونهم الداخلية، واعتبروه مساسا بسيادة الدولة، ولكن كان الرد الإخواني عنيفا، حيث خرج متحدث باسم الجماعة لكي يهدد الإمارات علنا في أمنها واستقرارها. لأجل ذلك جاء الرد الإماراتي واضحا، حيث طالب الشيخ عبد الله بن زايد - وزير الخارجية - أن توضح مصر (الحكومة) موقفها من هذه التصريحات، وتلا ذلك موقف حازم من أمين مجلس التعاون مستنكرا تلك التصريحات.

لا شك أن المسؤولين في الإمارات محقون في موقفهم الحازم من التدخل الإخواني في شؤونهم الداخلية، وللإمارات كما لغيرها من دول الخليج الحق في الاعتراض على نشاط جمعيات ومراكز تدين بالولاء لغير الدستور الوطني، ويخدم نشاطها أجندة تنظيم من دولة أجنبية أيا كانت. بيد أن تحدي صعود الإخوان إلى السلطة في بعض الدول العربية غير محصور في الإمارات، بل إن كل بلد خليجي ينبغي أن يواجه السؤال التالي: هل يسمح بتمدد وانتشار أنشطة جمعيات وشخصيات لديها بيعة «دينية» لشخص أجنبي؟

في مقالة له بعنوان «الإخوان في الإمارات.. توضيحات لا بد منها»، جادل حمد المنصوري عضو مجلس إدارة جمعية» الإصلاح» في رأس الخيمة، وهو من قيادات الإخوان في الإمارات، أن التنظيم عانى من تضييق جهاز أمن الدولة، ودعا إلى ضرورة أن تعيد الدولة موقفها في التعامل معه، أي أن التنظيم يرى نفسه في مستوى مساوٍ للمؤسسات الشرعية في البلد. ولكن المنصوري يعترف في الوقت ذاته أن الجماعة أوقفت البيعة للمرشد العام في مصر «نهائيا منذ عام 2003، لعدم حاجتنا المهنية أو الدينية لها» (جريدة «الحياة»، 19 سبتمبر/أيلول 2010).

أمام الصعود القوي للإخوان، والتنظيمات القريبة منهم، إلى السلطة في مصر وغيرها من دول «الربيع العربي»، فإن الموقف الخليجي بات متباينا، فبعض الدول - مثل الإمارات - لديها موقف واضح من منهج الجماعة الساعي لتصدير أفكاره ونشر تنظيمات موالية له في الخارج، وهناك دول - مثل قطر - هي في حالة تقارب وتنسيق مع القوى الإخوانية، ولكن الإمارات محقة في المطالبة بحل التنظيم في بلادها، كما فعل التنظيم القطري في 1999، وإذا كان الإخوان قد قبلوا بحل التنظيم في قطر، فلماذا لا يحل في بقية دول الخليج؟!

اليوم، هناك اتجاهان لمعالجة القضية: الرأي الأول يدعو إلى عدم استعداء الإخوان، لكي لا يجروا مصر إلى الانضمام للمحور الإيراني - السوري (الممانعة والمقاومة)، وهؤلاء يؤكدون أن الإخوان بعد أن يكونوا في السلطة سيضطرون للتغيير. أما الرأي الآخر، فيحذر دول الخليج من العودة للتقارب مع الإخوان مذكرا بمواقفهم السابقة، وتاريخهم السيئ في مقابل دعم الخليج واحتضانه لهم في الماضي.

في رأيي أن الموقف الإماراتي الداعي إلى أن يميز حزب الحرية والعدالة موقفه من الجماعة، حتى لا تكون دول الخليج مستهدفة بجناحين، أحدهما يمثل الحكومة المهادنة، والآخر تمثله الجماعة المتشددة. إن على دول الخليج أن تستفيد من الفرصة التاريخية لتصحيح العلاقة مع هذا التنظيم، بحيث تكون مبنية على مصالح وقواعد واضحة. ليس هناك خطورة في التعاطي مع الجماعة إذا كانت جادة في تصحيح مسارها الانقلابي المتشدد، ولكن التقارب مع الجماعة على افتراض حسن النوايا، هو بحد ذاته مخاطرة. على دول الخليج أن تستقرئ الماضي حتى لا تلدغ من الإخوان مرتين.