عاصفة «ستراتفور» التركية

TT

شركة «ستراتفور» الأميركية المتخصصة في إعداد وبيع الأبحاث والدراسات والتقارير الاستراتيجية والموصوفة بظل جهاز المخابرات الأميركية «سي آي إيه»، تعيش أياما صعبة كما قال صاحبها ورئيس مجلس إدارتها جورج فريدمان.

فهي في قلب أزمة سياسية تسببت في تفجيرها داخل تركيا نتيجة نشاطاتها وتحركاتها هناك، وبسبب المعلومات التي جمعتها حول الداخل التركي، ووقعت بيد «ويكيليكس» التي كشفت عن الملايين من رسائلها الإلكترونية بين موظفيها وخبرائها الأتراك والغربيين، الذين أقاموا علاقات وطيدة مع الكثير من رجال السياسة والمال والأعمال الأتراك، كما فهمنا من مراسلات كشف النقاب عنها بين كبار المسؤولين في الشركة، على الرغم من أن رئيسها يقول إنها محاولة تستهدف العلاقات الجيدة بيننا وبين أصدقائنا الأتراك، «فالبعض ينتقي جزءا من الرسائل ويهمل الجزء الأكبر الذي يقدم الصورة الحقيقية لنشاطاتنا وطبيعة علاقاتنا في تركيا». «طرف» الجريدة التركية اليومية الليبرالية، التي كان لها الدور الأول في الكشف عن مؤامرات الإطاحة بحكومة العدالة والتنمية التي أعدها مجموعة من كبار الضباط في المؤسسة العسكرية باسم ارغنيكون والمطرقة، تحولت إلى جريدة يصب أردوغان وكبار أعوانه والإعلام المقرب إليهم كامل غضبهم عليها اليوم، والسبب هو طريقة تعاملها مع إفشاء مراسلات «ستراتفور»، غير عابئة بنتائج ما تقدم عليه. البداية كانت عندما نقلت معلومة لأحد باحثي المؤسسة يقول فيها عن مصادر تركية إن أردوغان لن يعيش أكثر من عامين بسبب إصابته بمرض سرطان الكولون، مما أغضب رئيس الوزراء التركي ودفعه لمهاجمة الجريدة، مذكرا بأن الأعمار بيد الله وحده. البعض يربط بين ما تنشره «ستراتفور» التي تبيع المعلومات للراغبين من مؤسسات وشركات رسمية وخاصة، يتقدمها القوات الجوية والبحرية الأميركية واتحاد رجال الأعمال الأتراك «موسياد»، وبين شبكة العلاقات الواسعة التي أقامتها مع الكثير من الأصدقاء الموجودين في موقع القيادة والإدارة، دون أن تهمل استخدام ما تصل إليه يدها من معلومات حتى ولو كانت تضر بمصادر أخبارها وتعرضهم للخطر. التهمة التي تتردد على بعض الألسنة ويرفض أي شخص تحمل مسؤولية قولها مباشرة، هي دخولها على الخط في محاولة للمشاركة في صنع مرحلة ما بعد أردوغان في تركيا.

اتهامات ومعلومات تتطاير في الهواء نقلتها الصحافة التركية استنادا للمراسلات المسربة، وكلها بقوة زلزال عنيف قادر على تهديد الأجواء السياسية في تركيا:

- «ستراتفور» كتبت عن تدهور العلاقة بين داود أوغلو وأقرب أعوانه والمستشار الأول لرئيس الوزراء التركي إبراهيم كالين. والشركة تحدثت عن خدمات قدمها كالين مكنتها من نشر تقاريرها في الصحافة التركية، وعن دوره في تعريف باحثيها في تركيا بالكثير من الباحثين والدارسين الأتراك، وعن وساطة قام بها بطلب من المشرفين على المؤسسة لإزالة خلاف وقع بينها وبين جماعة غولان الإسلامية على خلفية تقرير نشر ولم يعجب قيادات هذه الجماعة.

- نشاطات مديرة قسم الشرق الأوسط في المؤسسة، ريفا بهاللا، والمعلومات التي نقلتها من خلال علاقاتها القوية مع الكثير من الإعلاميين والسياسيين ورجال الأعمال الأتراك. صحافيون أتراك أشادوا بالمؤسسة في أعمدتهم «لا بد من شكرهم على ذلك»، وآخرون قدموا خدمات مثل تسهيل نشر تقارير المؤسسة.

- الاستفادة من الباحث التركي فاروق دمير، أحد الخبراء الأتراك في مجال الطاقة، الذي عمل في أكثر من قطاع أمني واستراتيجي في تركيا، والذي زود الشركة بتقارير وأخبار أهمها المعلومات الأخيرة حول صحة أردوغان.

- التعاقد مع الباحث أمره دوغرو، مندوب اتحاد رجال الأعمال الأتراك في واشنطن، الذي اضطر للاستقالة من منصبه هذا بعد نشر أنباء حول استخدام علاقاته بأكثر من شخصية سياسية وإعلامية للحصول على المعلومات وتزويد المؤسسة بها.

ومع أن إبراهيم كالين نفى كل ما نشرته «طرف»، فإن الجريدة التركية يبدو أنها مصرة على مواصلة المواجهة حتى النهاية مهما كان الثمن. البعض يحاول أن يبرر ما قام به كالين بأنه يأتي في إطار العلاقات العامة التي تندرج في صلب عمله، لكن أحد نواب حزب الشعب الجمهوري المعارض قدم رسالة استجواب للحكومة عبر رئاسة البرلمان حول طبيعة العلاقة بين بعض المقربين لأردوغان والمشرفين على المؤسسة. هل هي زوبعة في فنجان، كما يقول البعض، أم أنها حلقة في تصفية الحسابات مع العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان الذي أغضب واستفز الكثيرين في الخارج قبل الداخل. «طرف» يبدو أنها لن تضع نهاية بمثل هذه السرعة لكل هذه المواجهة، فهي متمسكة بالكشف عن معلومات جديدة أكثر قيمة تخبئها إلى وقت الحاجة. «طرف» التي غامرت وتحرشت بعش الدبابير تعرف أنها ستدفع الثمن بشكل أو بآخر، لكن حكومة أردوغان أيضا لن تخرج من هذه الورطة بمثل هذه السهولة، فالأنباء والمعلومات ما زالت تتوالى، وهي ستحمل المزيد من المفاجآت في الأيام المقبلة، كما يبدو.