دبلوماسية جمع المجد من طرفيه

TT

يعتقد العديد من المحللين السياسيين أن لا سياسة خارجية «ثابتة» للولايات المتحدة في الشرق الأوسط خارج دعم متطلبات إسرائيل «الأمنية»، التي تحولت مع الزمن إلى ذريعة للسكوت عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية.

قد يعزز هذا الاعتقاد ما أظهرته الدبلوماسية الأميركية، مع بدء «الربيع العربي» العام الماضي، من تقلبات سريعة وغير متوقعة في مواقفها من الأنظمة الشمولية التي كانت ترعاها وتدعمها في المنطقة، الأمر الذي يسمح بالاستنتاج بأن أي تطور شرق أوسطي لا يمس، سياسيا، بـ«الثابت» الأميركي في المنطقة، أي «أمن» إسرائيل، واقتصاديا بإمدادات الولايات المتحدة النفطية، يصبح عرضة «للأخذ والرد» في بورصة الأوضاع الإقليمية المتبدلة.

ولكن، وعلى ضوء موقف موسكو المتشدد في دعمها للنظام السوري، هل يجوز القول إنه لا سياسة «ثابتة» لروسيا أيضا في الشرق الأوسط خارج دعم النظام السوري؟

حضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة، مطلع الأسبوع الحالي، قد يكون دليلا أوليا على إدراك موسكو استحالة وضع كل «بيض» روسيا الاتحادية في سلة سوريا.

في المعادلة الدبلوماسية الروسية في الشرق الأوسط تعتبر سوريا حليفا مرحبا به على المدى القصير.. وعبئا محتملا غير مرغوب فيه على المدى الطويل.

خلافا للولايات المتحدة، لا تملك روسيا النفس السياسي الطويل لمعاداة كل العرب.. إكراما لدولة عربية واحدة أصبحت أقل الدول العربية استقرارا وأكثرها عرضة للانهيار.

صحيح أن سقوط نظام الأسد سيشكل ضربة قاسية لمصالح روسيا في منطقة يعتبر الوجود الأميركي والأطلسي فيها بمثابة قاعدة عسكرية متقدمة على حدودها وحدود دول الاتحاد السوفياتي السابق، دول «الخارج القريب»، حسب التعبير الدبلوماسي الروسي، وصحيح أن لروسيا مصلحة استراتيجية حيوية في المحافظة على نظام يؤمن لها استعمال قاعدتها البحرية الوحيدة على الساحل الشرقي لبحر «المياه الدافئة»، (طرطوس)، حيث يعمل نحو ستمائة فني روسي على تأهيل الميناء لاستقبال الأسطول الروسي. لكن، رغم ذلك تبقى روسيا، خلافا للولايات المتحدة، دولة تتأثر بالثقل الإسلامي داخل حدودها والضغط العربي خارجها.

قد يكون تلميح لافروف في الكلمة التي ألقاها في اجتماع وزراء الخارجية العرب إلى أن «الشعب المسلم (في بلاده) شعب أصيل» عاش في روسيا «بكل حرية»، مجاملة دبلوماسية تخفي خشية روسيا من أن تؤجج كراهية الشارع العربي المتنامية لسياستها حالة التشنج المستحكمة حاليا بعلاقاتها مع المسلمين الروس وربما تدهورها إلى حد يحرك من جديد التيارات الاستقلالية - التي تصفها موسكو بالانفصالية - في الجمهوريات والأقاليم الإسلامية، وربما يعيد مسلسل العمليات «الإرهابية» التي عانت منها موسكو على مدى سنوات. وقد ينفع التذكير بأن الشعب «المسلم الأصيل»، الذي تحدث عنه لافروف في روسيا يبلغ تعداده اليوم نحو 25 مليون نسمة.

يقول مثل بريطاني شعبي: «لا يمكنك أن تأكل كعكتك وتحتفظ بها في نفس الوقت».

وإذا كان حضور لافروف اجتماع وزراء الخارجية العرب مؤشرا واضحا على رغبة موسكو في اتخاذ موقف أكثر مرونة من السابق من الثورة السورية فإن تركيزها على حل يقتصر على ثلاثة أمور فقط (وقف العنف ودخول المساعدات الإنسانية وإطلاق الحوار بين النظام والمعارضة) يوحي بأن موسكو تحاول جمع المجد من طرفيه، أي إرضاء الشارع العربي والإسلامي من جهة، والحفاظ على النظام السوري من جهة ثانية.. ربما بانتظار ما ستسفر عنه الأحداث من تطورات توحي «مرونتها» المستجدة أنها لم تعد تضمن نتائجها.