سوريا: عندما يصبح الحق في التدخل واجبا

TT

ما نفع التاريخ إن لم نتعلم منه درسا؟

قفز هذا التساؤل إلى ذهني وأنا أتابع مهمة كوفي أنان اليائسة إلى سوريا. كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة قد اختير من قبل خليفته بان كي مون والجامعة العربية للتوجه إلى دمشق لإقناع الرئيس الأسد بوقف المذابح التي يقوم بها تجاه شعبه. وقد ذكرتني المهمة الجديدة لأنان بمرحلة أخرى في تاريخه المهني الدبلوماسي عام 2003، عندما أصبحت الحرب على العراق وشيكة، ذهب أنان إلى بغداد في «فرصة أخيرة»، محاولا إقناع صدام حسين بقبول «الحل السلمي».

وفي طريقه إلى العراق، تحدث أنان لستة من الصحافيين أثناء العشاء على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، بسويسرا، وكان جميعنا يشعر بأن مهمة أنان لن تسفر عن أي شيء، وعندما أخبرناه بحقيقة شعورنا لم يتأثر تفاؤله.

وبعد أن تركنا الطاولة، توجهت بالسؤال إلى أنان حول ما يجب على صدام عمله لتجنب التدخل الأجنبي. وعلى الرغم من امتناعه عن التصريح بأية تفاصيل، فإنه أجاب بقائمة من المطالب تقضي - لو وافق صدام على تنفيذ نصف بنودها - على نظام حكم البعثيين في بغداد. فيما يبدو أن أنان وهؤلاء الذين دعموا مهمته أغفلوا حقيقة بسيطة: إن الأساليب الدبلوماسية لا تجدي نفعا مع نظم كنظام صدام.

لنعد إلى سوريا الآن، في بداية الثورة تردد الرئيس الأسد للحظة في مفترق طرق، كان السؤال الذي طرحه على نفسه هو: أأقتل، أم لا؟ وقرر الأسد أن يقوم بالقتل سواء اعتمادا على تحليلاته أو بضغط من حاشيته، لكن الأسد عندما اتخذ قرار القتل لم يكن هناك نقطة رجوع.

وككل اللغات، يمتلك كل نظام سياسي المفردات الخاصة به. فعلى سبيل المثال، لا يستطيع المرء فهم النظام النرويجي عبر قواعد تنطبق على النظام السياسي السوري والعكس. فدراسة مفردات النظام السوري الحالي سوف تظهر عجز الأسد عن الشروع في إصلاحات قد ترضي معارضيه.

وكل نظام سياسي لديه خرافاته، ففي حالة النظام السوري، نجد مجموعة من الأكاذيب في شكل خرافات:

الكذبة الأولى هي تأييده للوحدة العربية، حيث يفترض أن يكون النظام السوري أداة تحقيق لتلك الوحدة الوهمية. وعلى الرغم من ذلك، نعلم جيدا أنه في ظل قيادة عائلة الأسد، كانت سوريا أبعد ما يكون عن ذلك الهدف، حيث كان حزب البعث، الذي تم استخدامه من قبل عائلة الأسد كستار سياسي، أداة لانقلاب عسكري أنهى الاتحاد مع مصر في عهد عبد الناصر. ومنذ ذلك الحين، عملت سوريا الكثير على تقسيم العرب أكثر مما عملت لتوحيدهم. على مدار العقود الثلاثة الماضية، كانت سوريا أقرب إلى إيران من أي دولة عربية أخرى، وانتهى بها الأمر كتابع للنظام الخميني، ولا عجب في أن يتحدث المتحدث الرسمي الإيراني عن سوريا كأنها مقاطعة ضمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

أما الكذبة الثانية، فهي تلك المتعلقة بـ«المقاومة» ضد إسرائيل، على الرغم من حقيقة أنه منذ تولى عائلة الأسد السلطة أصبح خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل هو أكثر الحدود الإسرائيلية مع الدول المجاورة هدوءا.

الكذبة الثالثة تتعلق بادعاء النظام حماية الأقليات، على الرغم من ذلك، حرم نظام البعث، بجرة قلم، الأقليات الكردية من جنسيتهم. وقيام النظام بتقسيم السوريين إلى «أقليات» تحتاج الحماية هو سبب كاف من أجل استمرار الطائفية، بينما لا يحصل أي من الأقليات على حقوق مواطنة كاملة، حيث يتم تصوير الأغلبية السنية على أنها وحش في انتظار أن تنزع عنه أصفاده.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، أضاف النظام أكاذيب جديدة بالإضافة إلى الأكاذيب الأساسية، فأخبر الأسد المبعوثين الدوليين أنه لو تنحى فسوف تقع البلاد في الحرب الأهلية، بينما الحقيقة أن سوريا غير مقسمة إلى معسكرين متساويين في الحجم، الذي يعد السبب الرئيسي في قيام الحروب الأهلية، فإذا تنحى الأسد جانبا فسيصبح بإمكان السوريين، بما فيهم الجزء المؤيد للنظام، العمل معا من أجل انتقال سلمي.

يعمل الأسد الآن باستماتة للتحريض على حرب أهلية. وقد حاول النظام التابع له تقسيم المعارضة من قبل، حتى من خلال تكوين جماعات معارضة مزيفة تابعة لأجهزة الاستخبارات الخاصة به، بينما قامت الشبيحة التابعون له بالكثير من المجازر الجماعية بهدف استثارة رد فعل مسلح يسمح له بوصف معارضيه بالإرهابيين. ولكن الخبر السعيد أنه، آجلا أم عاجلا، سوف يتم كشف تلك الأكاذيب السياسية.

إن التحليلات السابقة ليس الهدف منها إحباط أنان أو الجهود الدبلوماسية مثل تلك التي يقوم بها. بل على النقيض من ذلك، فمن الحكمة أن نعطي فرصة للدبلوماسية كما حدث في العراق، لنقنع الرأي العام العالمي بأنه لا يوجد حل دبلوماسي للأزمة السورية ما دام الأسد باقيا في السلطة.

لقد أظهرت مهمة أنان الحقيقة التي يعيها كثيرون منذ البداية، حيث تتجه سوريا نحو وضع يصبح فيه حق التدخل، المعروف الآن في القانون الدولي، واجبا على هؤلاء القادرين على إحداث تغيير.

ومع الأسد، والطغاة أمثاله، لا يستطيع أي دبلوماسي، حتى إذا كان بعبقرية أنان، أن يصل لأي حلول، وليس بإمكان الدبلوماسية أن تقنع نظام الأسد بأن يتصرف عكس الاتجاه السياسي الخاص به، فالنظام الذي نشأ من خلال العنف واستمر في السلطة عبر المذابح، والاعتقالات الجماعية، والرقابة والفساد، لا يستطيع أن يتصرف على عكس طبيعته. ففي هذا النظام الفاسد لا يمكن لأفضل الرجال أن يفعل الكثير، بينما يمنع النظام الشريف الرجال الفاسدين من القيام بما هو أسوأ، عندما يقوم أشرار بإدارة نظام فاسد تصبح تلك مأساة.