صحافيون بلا صحافة

TT

ثارت ثائرة بعض الصحافيين المصريين، أو من أطلقوا على أنفسهم اسم «الصحافيين الأحرار»، بسبب مقطع دعائي لفيلم أنتجته ومثلته فنانة غير مشهورة، وفيه نقد لعالم الصحافة والصحافيين، وكان أكثر ما أغضب الصحافيين الجملة التي وردت في اللقطات الدعائية، وفيها تتحدث الممثلة (سما المصري) عن أنها تحولت من الصحافة إلى مهنة الرقص الشرقي، و«يا قلب لا تحزن»، كما قالت!

الصحافيون في مصر، وغيرها من بلدان الربيع العربي، تحولوا إلى فاعلين في المجال السياسي والشأن العام، تحولوا إلى صناع للحدث وليس مجرد نقلة له أو شراح.

كثير من المعتصمين في الميادين، الذين يشنون الحملات الإنترنتية والفضائية على هذا الطرف السياسي أو ذاك، أو من أجل هذه القضية أو تلك، هم من أهل الإعلام نفسه.

كان تعليق الناقد الفني المصري طارق الشناوي محقا للإعلاميين المصريين الذين قرروا شن حملة على هذا الفيلم، فمن رأيه أن أهل الإعلام كغيرهم من أهل المجالات الأخرى، مثل الاقتصاد والسياسة والرياضة وغيرها، هم عرضة للنقد والتناول العام مثل غيرهم، فلماذا يبيحون لأنفسهم نقد الآخرين ولا يقبلون النقد الموجه لهم؟!

بصرف النظر عن قيمة الفيلم / الضجة، من الناحية الفنية، لكن النقاش هو في المبدأ نفسه، وقد سبق تناول شخصية الصحافي بشكل نقدي في أعمال سابقة، مثل «عمارة يعقوبيان»، التي كتبها علاء الأسواني، أحد رموز الثورة المستمرة في مصر.

الصحافيون صاروا في خضم الحدث وموجهين له، وفاعلين سياسيين، ولذلك على من تخلى منهم عن الوفاء بمقتضيات مهنته للانخراط في الشأن السياسي أن يتحمل ثمن ذلك، فمن أدخل أصابعه في فرن السياسة عليه أن يتوقع احتراقها فيه.

أكثر الصحافيين العرب الذين تحمسوا للنشاط السياسي والفعل العام كان تصرفهم هذا على حساب مهنتهم الصحافية التي تقتضي نقل الأخبار، مهما بلغت درجة الخطورة في نقلها أو الغموض في مصادرها، وتقتضي أيضا «التحقيق» الصحافي في كل قضايا الشأن العام؛ من الحروب إلى الرياضة، كأناس مثل أنتوني شديد.

تحول الجميع، أو جلهم، إلى ساسة، وتخلوا عن العمل الصحافي، فلم تكسب السياسة إضافة مفيدة، وخسرت الصحافة من تسرب من قد يفيد المهنة منهم، على قلتهم.. إنها لوحة من الفوضى والعبث.

[email protected]