القادة وحماية منظمات المجتمع المدني

TT

قد لا تؤدي المماطلة في النظر في الدعاوى القانونية المقامة ضد العاملين لحساب منظمات غير حكومية في مصر سوى إلى تأجيل - لا إنهاء - القمع الذي تُمارس بحق منظمات المجتمع المدني. فما زال كل من المصريين والأجانب الذين يعملون لحساب منظمات غير حكومية واقعين تحت تهديد.

وفي ظل الخطاب المسيّس بدرجة كبيرة، المعادي للأجانب، الذي يحيط بالقضية، من السهل تجاهل الجانب المهدد في نهاية المطاف، ألا وهو حقوق المواطنين العاديين في تشكيل مؤسسات تستجوب قادتهم وتعارضهم. لهذا، من الأهمية بمكان مراجعة قانون الجمعيات، الذي بموجبه تم إدخال التغييرات، لضمان حماية المجتمع المدني.

يعتبر المجتمع المدني هو المصطلح المستخدم لوصف منظمات مختلفة، بدءا من المؤسسات الإنسانية إلى مجموعات مراقبة الأحياء السكنية التي لا تعد جزءا من الحكومة. وهذه المنظمات تخدم المدنيين لا القادة، ومن خلال هذا الدور تخضع هؤلاء المتقلدين لمناصب لعمليات الفحص والمراقبة الضرورية، ومن ثم يجب حمايتها، لا تقييدها.

وبينما ينظر إلى منح عامة الناس صوتا في هذا النزاع بوصفه أمرا خطيرا، فإن العكس هو الصحيح فعليا. فإذا ما كبلت المجتمع المدني - من خلال قوانين تقييدية أو عبر الترويع - فسوف يعاني جراء ذلك عامة الناس. ينطبق هذا على وجه الخصوص على الحرب ضد الفساد، إحدى أهم القضايا التي حشدت المتظاهرين في ميدان التحرير.

في مختلف أنحاء العالم يعمل الكثير من جماعات الضغط من أجل وقف إساءة استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، بحسب تعريف منظمة «الشفافية الدولية» للفساد. ويتخذ عمل هذه الجماعات أشكالا كثيرة، تتنوع ما بين مراقبة نفقات الحكومة والتعرف على صور تضارب المصالح إلى الضغط من أجل التعرف على قوانين المعلومات والحماية من خلال كشف المخالفات والإبلاغ عنها.

هذه المنظمات تحارب من أجل التطبيق الكامل للقانون الجنائي بشأن الفساد، الذي بموجبه تعتبر الرشوة جريمة يعاقب عليها القانون، والمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تحمي حرية التعبير والمعلومات.

عندما تقوم هذه المنظمات بعملها يعود النفع على عامة الناس. في مصر حققت منظمات المجتمع المدني المحلية بالفعل نجاحات، بدءا من الضغط من أجل توفير مرافق رعاية صحية أفضل، إلى إلزام المسؤولين الحكوميين بتوفير مياه نظيفة للمواطنين. لقد كانت تدفع الحكومة إلى الالتزام بالوعود التي قطعتها على نفسها. هذا هو نوع العمل الذي تنهض به منظمات المجتمع المدني على الأرض. ولهذا فإنك تكون بحاجة إلى حماية من هم خارج أروقة السلطة عندما يسلطون الضوء على ممارسات من هم داخلها. وإذا لم تقم بذلك تتفشى قيم المحسوبية ومحاباة الأقارب، مما يتسبب في معاناة عامة الناس.

في أعقاب الثورة التي اندلعت في مصر سادت حالة من التفاؤل نابعة من اعتقاد أنه سيتم إلغاء القوانين التقييدية التي أعاقت عمل منظمات المجتمع المدني، غير أن الجنرالات آثروا استهداف المنظمات غير الحكومية، زاعمين أن قبولها أموالا أجنبية عمل مخالف للقانون. إن هذا معيار مزدوج، إذ يقبل الجيش معونة أجنبية تقدر بمليارات الدولارات، في الوقت الذي لا يسمح فيه للمنظمات التي ترفع شعارات مطالبة بالحرية والقضاء على الفساد وإرساء الديمقراطية سوى بالحصول على مبالغ ضئيلة جدا.

وليس من المستغرب أن منظمات المجتمع المدني المحلية لها قوات مشتركة مع منظمات دولية من أجل التأكيد على تلك المبادرات. في يوم 15 فبراير (شباط) وقع 29 على خطاب مرسل إلى الجنرالات العسكريين يطالبون فيه بتعديل قانون الجمعيات. إن المصريين يستحقون معرفة الحقيقة بشأن منظمات المجتمع المدني، ألا وهي أنها تعمل لصالحهم، لا ضدهم. في حقيقة الأمر، تعتبر هذه المنظمات أفضل أسلحتهم وأكثرها عملية في معركتهم من أجل محاسبة قادتهم. حل أكثر قابلية للتطبيق اقتصاديا من احتشاد الآلاف في الشوارع لعدة أشهر بشكل متواصل.

* رئيسة منظمة «الشفافية الدولية»، منظمة غير حكومية مناهضة للفساد