الإقليم منطقة أم مناخ؟

TT

تزيد غيرتي على اللغة على معرفتي بها مسافات وأزمانا. وفي هذا المعنى لست بأكثر من منقب أو حاصد. ومن قبيل الغيرة وحدها اعترضت قبل حين على ازدياد عدد الزملاء الذين قلدوا الأستاذ محمد حسنين هيكل في استخدام مصطلح «الإقليم» بمعنى المنطقة العربية سياسيا. أي بأحداثها الراهنة.

وبما أن هيكل قد استخدمها فلم يجد الباقون ضرورة في البحث عن معناها الأصلي. ويقول أحمد وصفي زكريا: «يراد بالإقليم مجموع الظواهر الطبيعية والكيماوية الحادثة في جو مكان ما وأرضه. ويهتم الباحثون بهذه الظواهر لأنها من أشد العوامل تأثيرا في حياة حيوان ذلك المكان ونباته وفي درجة نموهما وارتقائهما. فاليمن في جملته ذو إقليم عجيب يختلف عن بقية الأقاليم المعروفة»، إنه في الحقيقة «إقليمان أحدهما حار، والثاني بارد أو معتدل».

الإقليم ليس منطقة بأكملها ذات هوية مشتركة، كما يراد به اليوم، في الإشارة إلى العالم العربي برمته، وبكل اضطراباته وتحولاته. وأيام الوحدة المصرية - السورية كان الأستاذ هيكل نفسه يشير إلى مصر كإقليم جنوبي، وسوريا كإقليم شمالي. أي أن الإقليم جزء وليس كله كما يستخدم اليوم.

وثمة ملاحظة أخرى. فقد دأب الزملاء على النهي عن استخدام بادئة «من نافلة القول»، لأنه إذا كان القول نافلا فلماذا قوله؟ على أن القول النافل هو القول المحبب. وفي الحديث الشريف «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به». وفي الآية الكريمة «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا».

بدأ الحملة على تصدير المقال بـ«من نافلة القول» الراحل نبيل خوري كجزء من ظرفه. ويكررها من بعده زملاء آخرون، مع أنها تمهيد جميل ولو تكرر، يقصد به إبلاغ القارئ بأن كاتبه لا تغيب عنه الحقائق، وإنما هو يكررها من أجل التوكيد وليس من باب الجهل أو السهو.

مع الزمن والاستخدام يصير للكلمة معنى مختلف في ظروف كثيرة، وفي سائر اللغات أيضا. وليس من فظاعة في تبني «الإقليم» اليوم وأنت تتحدث عن مجموعة أقاليم أو جهات، ما دام المقصود واضحا. ولكن لا ضير أيضا في الدقة أو في التصريح. ويقول مثل أميركي «أنا لا أعتقد بالخرافات، ولكن لا ضرر من الدق على الخشب»!

ويقارن أحمد وصفي زكريا بين فاكهة جبال الشام وثمار جبال اليمن بقوله: «ومثل ذلك التين ويدعونه البلس، فهو لا يكاد يؤكل من رداءته. وعلى ذلك قس بقية الثمار من مشمش وتفاح وسفرجل وليمون وغيرها، فقد أترفها الإقليم وخفض جودتها، حاشا العنب، فإن أنواعه في غاية الطيبة».