ولو اختلفت المعارضة السورية

TT

منذ اليوم الأول للثورة السورية ينادي كل مناصري الحق السوري بتوحيد معارضتهم، التي حشدت أسماء من معارضين تاريخيين أو فارين تنقلوا باجتماعاتهم بين إسطنبول وباريس والدوحة والقاهرة، شكلوا شبكة علاقات واسعة مع الدول المؤيدة والداعمة لهم سياسيا، حضروا في الإعلام الفضائي في كل مواقيت العالم من غرينتش حتى أستراليا. اليوم، مع حصول انشقاقات في هذه المعارضة، يعود الإلحاح على أهمية توحيد الصف، خاصة في هذه المرحلة التي تعد نقط تحول خطيرة في مسار الثورة السورية. البعض رأى في توحيد المعارضة شرطا للتعاون معها وتغطية ظهرها سياسيا ودبلوماسيا.

المجلس الوطني السوري، الذي أوشك على اقتناص الاعتراف السياسي به كممثل شرعي للشعب السوري من دول فاعلة في الحراك السياسي، انسحبت منه أسماء تاريخية مؤثرة احتجاجا على إدارة المجلس والأزمة، منهم هيثم المالح، شيخ المعارضين، الذي بكى وهو يردد في أول اجتماع للمعارضة في إسطنبول: «أسير على ضفاف قبري ولا أعرف متى سأسقط فيه».

ليس من المهم توحيد المعارضة في ظروف الإبادة والقتل الجماعي والتنكيل، ما أهمية المعارضة إن توحدت أو تشعبت وبنات الشام يُغتصبن ويتعرين على الملأ ويُذبح الأطفال بالسكاكين داخل بيوتهم؟

المجلس الوطني ليس برلمانا يحكمه نظام معلوم الطقوس، بل هو تجمع طارئ فرضته الظروف على عجل، وأعضاؤه خليط من التوجهات الفكرية المتناقضة التي لا يجمعها سوى الانتماء الوطني. وحتى وإن اتحد الهدف في إسقاط النظام، فإن توحيد المعارضة في استراتيجياتها يجب ألا يكون شرطا للتعاطي معها من الدول الداعمة. ربما كان هذا الشرط مشروعا في بدايات الثورة حينما كان معدل القتل اليومي لا يتجاوز العشرين ضحية والنشاط الدبلوماسي محموما لحل الأزمة، أما وقد قرر بشار الأسد أن يتعامل مع شعبه بسياسة النحر وهتك الأعراض، فيجب ألا يحمل المجلس الوطني أكثر مما يستطيع، والتدخل المستحق لإنقاذ السوريين لا تفرضه وحدة المعارضة، بل تفرضه الأخلاق والأعراف.

لا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل ترجوان حتى الآن أن يقوى النظام الإيراني والروس على إنقاذ بشار الأسد من السقوط، خوفا من البديل الذي يخيفهم؛ بأن يستولي الإسلاميون المتطرفون من «القاعدة» أو «السلف» على سوريا، فأمن المواطن الإسرائيلي واستقراره أكثر أهمية من المواطن السوري، هذا مفهوم، فأميركا تجدد عهدها في كل مناسبة بالالتزام بأمن إسرائيل ومصالحها، ولكن على إسرائيل أن تعيد التفكير في أن السوريين الذين نكل بهم بشار الأسد على مرأى وترحيب منهم ومن الأميركيين لن يغفروا لهم، وربما لا تدري إسرائيل أنها تبني لها عداوة أكثر شراسة من السلفيين و«القاعدة».

فهل ستصبح إسرائيل وأميركا والروس وإيران ضد السوريين، ونضيف لهم من الضفة المقابلة شرطا تعجيزيا عن وحدة المعارضة؟ أين سيفر السوريون بأنفسهم؟

لست وحدك يا هيثم المالح، اليوم الشعب السوري كله يسير على ضفاف قبورهم ولا يعرفون متى سيسقطون فيه.

[email protected]