مخطط بن لادن لقتل الرئيس أوباما

TT

قبل مقتله، أصدر أسامة بن لادن أوامره بشجاعة لشبكته الإرهابية بتشكيل خلايا خاصة في أفغانستان وباكستان لشن هجوم على طائرة الرئيس أوباما والجنرال ديفيد بترايوس.

خاطب زعيم تنظيم القاعدة مساعده الأول في التنظيم قائلا: «سبب التركيز عليهما هو أن أوباما هو رأس الكفر والإلحاد، وقتله سيؤدي حتميا إلى تولي نائبه بايدن منصب الرئاسة، وبايدن غير مؤهل مطلقا لذلك المنصب، الأمر الذي سيقود الولايات المتحدة إلى أزمة. أما عن بترايوس، فهو رجل الساعة... وقتله سيغير مسار الحرب» في أفغانستان.

وصرح مسؤولون بالإدارة الأميركية يوم الجمعة بأن مخطط قتل أوباما وبترايوس لم يكن يشكل مطلقا تهديدا خطيرا.

وقد تم وصف المخطط في إحدى الوثائق التي أتت بها من مجمع بن لادن السكني قوات أميركية يوم 2 مايو (أيار)، الليلة التي قتل فيها. وقد تم إطلاعي بشكل حصري على بعض من تلك الوثائق المهمة من قبل مسؤول إدارة رفيع المستوى. وقد تم كشف النقاب عنها، وسيتم عرضها للجمهور بنصوصها العربية الأصلية وبترجماتها.

كان الرجل الذي أمل بن لادن أن يقوم بشن الهجمات على أوباما وبترايوس هو الإرهابي الباكستاني، إلياس كشميري. «من فضلك، اطلب من الأخ إلياس أن يرسل لي الخطوات التي قد اتخذها بصدد هذا الهجوم»، هذا ما كتبه بن لادن لمساعده الأول، عطية عبد الرحمن. وبعد شهر من مقتل بن لادن، قتل كشميري في هجوم شنته طائرة أميركية من دون طيار.

ربما كان المخطط الرامي لاستهداف أوباما فاشلا، نظرا لأن تنظيم القاعدة افتقر بشكل واضح للأسلحة اللازمة لتفجير الطائرة الأميركية. لكنه كان بمثابة تذكرة مرعبة بأنه عندما كان بن لادن قابعا في مخبئه، كان ما زال يحلم بتنفيذ هجوم إرهابي مروع ضد الولايات المتحدة.

وحث الزعيم الإرهابي، في توجيهات في 48 صفحة، عطية على تركيز «كل الجهود التي يمكن توجيهها لشن هجمات على أميركا»، بدلا من تنفيذ عمليات داخل دول إسلامية. وطلب من عطية «أن يسأل الإخوة في كل المناطق عما إذا كان لديهم أخ.... يمكن أن يعمل داخل الولايات المتحدة. (يجب أن يكون قادرا على) العيش هناك أو يكون من السهل بالنسبة له السفر إلى هناك».

لا يرى المحللون الأميركيون أدلة على أن تلك المخططات قد تحققت فعليا على أرض الواقع. ويقول محلل إدارة رفيع المستوى تمعن في فحص الوثائق «التنظيم يفتقر إلى القدرة على التخطيط والتنظيم وتنفيذ هجمات كارثية معقدة، لكن التهديد ما زال قائما».

بن لادن الذي تكشف عنه هذه الاتصالات هو زعيم تنظيم إرهابي في مجمع سكني منعزل، يرثي فكرة أن منظمته قد شوهت سمعتها بقتل عدد هائل من المسلمين في حركة الجهاد ضد أميركا.

إنه يكتب عن كثير من «الإخوة» الراحلين، الذين قضوا نحبهم جراء هجمات بطائرات أميركية من دون طيار. لكنه بعيد عن ساحة القتال في مخبئه في أبوت آباد بباكستان، حيث يبدو أنه كان يمضي وقتا طويلا في مشاهدة التلفزيون.

ربما يكون سبب تحريف تركيب العبارات في رسائل بن لادن هو أنها كانت تملى على عدد من زوجاته، بحسب محلل أميركي. وتشير قائمة التوصيات غير المنسقة إلى مشكلات في التواصل مع أتباعه، كما كان يمكن أن يحتاج إلى عدة أشهر لتلقي رد. ويرى المحلل أن زعيم تنظيم القاعدة كان يحدوه «خوف شديد من البعد عن القضية الأساسية».

وبسبب المضايقات المستمرة وصعوبات التواصل في المناطق القبلية في باكستان، شجع بن لادن زعماء تنظيم القاعدة على مغادرة شمال وجنوب وزيرستان والاتجاه إلى مواقع أبعد.

كان لدى بن لادن تركيز إداري غير مرغوب فيه بالنسبة لمثل هذا الإرهابي المشهور. إنه يناقش الحاجة إلى «نواب أمراء» و«أمراء مؤقتين» لتنفيذ عمليات إقليمية عندما يكون القائد المحلي بالخارج، ويقترح ضرورة عمل الأمراء لفترة قدرها عامان وكتابة «تقرير سنوي يتم إرساله إلى المجموعة المركزية والذي يورد تفاصيل الوضع المحلي». وقد سمح بتبادل صريح نسبيا للمعلومات مع أتباعه، الذين عبروا عن انتقاداتهم لأخطاء التنظيم.

ورغم كونه متقبلا للجدال الداخلي، فإن بن لادن ومعاونيه يتمسكون بآراء صارمة عن تعاليم الإسلام. أرسل عطية لقائده خطابا شديد اللهجة في يونيو (حزيران) 2009، يفصل فيه ما اعتبره أخطاء عقائدية بين «الجهاديين».

كان أكبر مخاوف بن لادن هو صورة تنظيم القاعدة في وسائل الإعلام بين المسلمين. وخشي من أن تكون قد شوهت بدرجة كبيرة إلى حد أنه في مسودة رسالة، ربما تكون موجهة لعطية، أشار إلى أن التنظيم يجب أن يعثر على اسم جديد.

وقد أشار بن لادن إلى أن اسم تنظيم القاعدة قد أصبح يمثل مشكلة، نظرا لأن مسؤولي إدارة أوباما «قد توقفوا عن استخدام عبارة (الحرب على الإرهاب) في سياق عدم الرغبة في استثارة المسلمين»، واتجهوا بدلا من ذلك إلى دعم حرب ضد تنظيم القاعدة. كان الاسم الكامل للتنظيم هو «قاعدة الجهاد»، حسبما ذكر بن لادن، لكن في صيغته المختصرة «يقلل الاسم من شعور المسلمين بأننا ننتمي إليهم». واقترح 10 بدائل «لا يمكن أن تختزل بسهولة في كلمة لا تمثلنا». وكان أول مقترحاته هو «طائفة التوحيد والجهاد».

تأمل بن لادن مليا في «أخطاء» و«تقديرات خاطئة» من قبل أفراد منتسبين للجماعة في العراق ومناطق أخرى قاموا بقتل مسلمين، بل وداخل مساجد. وطلب من عطية أن يحذر كل أمير، أو قائد إقليمي، بتجنب هذه «الإصابات التي لا داعي لها بين المدنيين»، والتي تضر باسم التنظيم.

وشدد على أن «ارتكاب هذه الأخطاء يمثل مشكلة كبيرة»، مشيرا إلى أن سفك «دماء المسلمين» قد أسفر عن «انعزال معظم الأمة الإسلامية عن المجاهدين». وعلى زعماء تنظيم القاعدة المحليين «الاعتذار وتحمل المسؤولية عما حدث».

علاوة على ذلك، انتقد بن لادن تابعيه لربطهم عملياتهم بمظالم محلية بدلا من التركيز على قضية فلسطين. ووبخ فصيل التنظيم في اليمن على قوله إن إحدى العمليات كانت رد فعل لتفجير أميركي وقع هناك. حتى أنه قرع منظمي الهجوم الانتحاري المروع الذي وقع في ديسمبر (كانون الأول) 2009 على قاعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في خوست بأفغانستان على وصفها بأنها ثأر لمقتل زعيم حركة طالبان في باكستان، بيت الله محسود. قال بن لادن: «كان من الضروري مناقشة القضية الفلسطينية أولا».

أدى تركيز بن لادن على شن هجمات على أراض أميركية إلى حدوث شقاقات حادة بينه وبين نائبه أيمن الظواهري، الذي فضل شن هجمات أسهل وأكثر انتهازية على قوات أميركية في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى.

وأوضح بن لادن لعطية عبد الرحمن أن أفضل موقع لإنشاء دولة إسلامية هو اليمن، الذي وصفه بـ«نقطة الانطلاق» لشن هجمات على دول النفط بالخليج العربي.

كتب بن لادن: «السيطرة على تلك الدول تعني السيطرة على العالم». غير أنه حذر من أن الضغط في اليمن قد يأتي مبكرا بصورة مبالغ فيها، ونصح زملاءه بالانتظار 3 سنوات، إذا لزم الأمر، قبل اتخاذ خطوة حاسمة. وأشار إلى أنه مع احتدام القتال في سوريا في أوائل الثمانينات من القرن العشرين، فإن جماعة الإخوان المسلمين «خسرت جيلا من الرجال».

أمل بن لادن ومساعدوه في تنفيذ عمليات إرهابية ضخمة احتفالا بالذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. كما كانت لديهم أيضا خطط إعلامية مفصلة.

حتى أن آدم غادان، المستشار الإعلامي الأميركي المولد، ناقش في رسالة إلى رئيسه أفضل المنافذ الإعلامية المتاحة لبث فيديو خاص بذكرى الهجمات الإرهابية.

كتب غادان: «يجب أن يرسل على سبيل المثال إلى محطات (إيه بي سي) و(سي بي إس) و(إن بي سي) و(سي إن إن)، وربما (بي بي إس) و(في أو إيه). أما عن محطة (فوكس نيوز)، فلندعها تموت كمدا». وفي موضع آخر، تحدث عن الشبكات الإعلامية قائلا: «من وجهة نظر مهنية، جميعها على مستوى واحد – باستثناء محطة (فوكس نيوز)، التي تتجه نحو حافة الهاوية، مثلما تعلم، بسبب افتقارها للموضوعية».

يا له من تحفيز غير مقصود لمحطة «فوكس»، والتي يمكن أن تتباهى الآن بأنها أكثر شبكة مكروهة بالنسبة لتنظيم القاعدة.

* خدمة «واشنطن بوست»