قفص من زجاج

TT

أي جهة أحق بتسلم عبد الله السنوسي؟ الفضل في اعتقاله هو للمخابرات الفرنسية، لكن الولايات المتحدة تريده أيضا بسبب لوكيربي وغيرها. وليبيا تريده بسبب كونه مثالا للجريمة التي حلت بعنفها طوال عقود. والمحكمة الجنائية الدولية تريده باعتباره رمزا للوحشية العابرة.

إذا كان لي أن أقترح، فالمحكمة الدولية؛ لأن ليبيا حاليا لا قانون فيها ولا شبه قانون. وحتى الآن لا أحد يعرف شيئا عن ملف سيف الإسلام القذافي أو عن نحو 8000 معتقل آخر. وليس هذا ما هو مطلوب بعد 40 عاما من الفجور على جميع أشكال القانون الدولي أو العالمي. عبد الله السنوسي ليس الجزار الوحيد ولا القاتل الوحيد في جماهيرية الرعب والجنون.

هذه قضية تطرح على الإنسانية جمعاء. تجربة فاشية متوحشة يجب أن تعرض على العالم: الجريمة بالقتل والجريمة بتجارة الناس مع جلادي أفريقيا والجريمة باستعباد البشر والجريمة بسرقة أموال الناس وأعمارهم وهنائهم.

عبد الله السنوسي ليس رمزا محليا ولا درسا محليا. وللأسف ليس هناك ثقة بكفاءة القضاء الليبي لإدارة قضية في هذا الحجم. أما فرنسا فسوف تحاكمه في مسألة واحدة هي طائرة يوتا، التي أسقطها بأمر من سيده لوجود معارض ليبي عليها. وكذلك أميركا سوف تحاكمه لجرائم محددة. في حين أن جرائم السنوسي لا حدود لها ولا لفظاعتها ولا لهمجيتها.

المحكمة الدولية قادرة على رسم صورة الرجل العادي الذي يحوله المتسلط والسلطة إلى وحش همجي. قبل أن يضمه القذافي إلى الأسرة كان رجلا عاديا، كما يروي عبد الرحمن شلقم، ثم حدث التحول إلى عبد ينفذ أو يسابق أوامر الافتراس. معظم وجوه المرحلة القذافية في التشرد أو في الاعتقال. وكثيرون قُتلوا في عمليات ثأر جائرة قبل الوصول إلى المحاكم. وألوف اضطهدوا أو عذبوا بلا إثباتات أو حق في الدفاع عن النفس، وقبل أن تستنفر ليبيا وتعود دولة يحكمها القانون كما كانت أيام إدريس السنوسي، يجب الأخذ في الاعتبار أن القانون والعدل أرفع من سيادة الأمم.

لقد تولت محاكم أميركية محاكمة مجرمي الحرب الألمان. وإنشاء المحكمة الدولية، مثل إنشاء سائر المنظمات الدولية الأخرى. الهدف منه الاستئصال الدولي للجريمة الجماعية والحالات المرضية التي تشبه الأوبئة. لا ينفع أن يعذب عبد الله السنوسي في قبو ليبي آخر، أو أن تقف أمهات ضحاياه أمام باب زنزانته. فهو ليس عارا على ليبيا. هو - مثل سيده وآمره - عار على الإنسانية برمتها، وعار على العرب الذين شوه صورتهم في سجل البشرية. وهذا العار يجب عرضه في قفص من زجاج.