عام آخر على الثورة في سوريا

TT

لا يزال بشار الأسد ونظامه يحاربون من أجل السلطة. لقد قتل أكثر من ثمانية آلاف سوري حتى هذه اللحظة، وتم اعتقال ما يزيد على 20 ألفا، واضطر الآلاف إلى مغادرة منازلهم، وهدم الكثير من المنازل بفعل المدفعية الثقيلة، مع ذلك لا يبدو أن الأسد لديه أي نية للتخلي عن السلطة.

ما هو الثمن الفعلي للحكم؟ إنه مقتل شخص واحد على الأقل كل ساعة على مدى العام الماضي في سوريا، بمعنى أن أكثر السوريين الآن يعرفون شخصيا فردا واحدا على الأقل قتل على يد النظام.

منذ عام لم يكن هناك سوى مظاهرة صغيرة في درعا. وفوجئ سكان درعا عندما فتحت قوات الأمن النيران على مدنيين عزل في الشوارع. بدا الأمر مثل كابوس خلال الثلاثة أيام الأولى، وامتد هذا الكابوس ليشمل مدنا أخرى في شتى أنحاء البلاد، إيذانا ببداية «الربيع العربي» في سوريا. نحن الآن إزاء سؤال مهم: هل سيبقى نظام الأسد في سدة الحكم لعام آخر؟ هل سيستمر في قتل شعبه؟ هل ستستمر كل من روسيا والصين في دعمهما لنظام الأسد خلال العام الثاني على الثورة؟ كما نعرف جميعا؛ لا يحكم البلاد سوى عائلة واحدة هي عائلة الأسد، وحزب واحد هو حزب البعث، وطائفة واحدة هي طائفة العلويين، فهذا إطار وهوية النظام السوري.

ويحكم هذا الثالوث المكون من الأسرة والحزب والعلويين سوريا لما يزيد على 4 عقود، لكن بدا لي أن العالم تغير، ففي يوم الخميس الموافق الخامس عشر من مارس (آذار) قرأنا الرسائل الإلكترونية للأسد وزوجته في صحيفة الـ«غارديان» واستنتجنا أن الأسد وأسرته وحكومته يعيشون في منزل من الكريستال. على سبيل المثال، نعلم أن زوجة الأسد كتبت لأصدقائها المقربين عن تفاصيل عرض خاص بأحذية جديدة ومنها حذاء ارتفاع كعبه المطعم بالكريستال 16 سنتيمترا وسعره 3795 جنيها إسترلينيا، وأنها أنفقت مبلغا كبيرا من المال لشراء شمعدانات وطاولات وثريات من باريس. ولا يمثل هذا سوى جانب بسيط من نمط الحياة الذي يعيشونه.

لذا أود القول إنه قد يكون من الصعب إخفاء مثل هذا النفاق، فأتذكر مقابلة الأسد مع أندرو غيليغان لصحيفة «تلغراف» في 30 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011. وجاء في المقابلة: «يعيش الأسد في منزل صغير نسبيا في شارع عادي، وإن كانت تحيط به حراسة مشددة. ويعتقد أن نمط الحياة المتواضع ليس سوى عنصر آخر من قبوله.. وهناك أيضا شرعية الانتخابات وشرعية شعبيته».

وقال خلال المقابلة: «سيتم خلعك، إذا لم تكن تتمتع بشرعية الشعب، سواء كنت منتخبا أم لا. انظر إلى كل المؤامرات التي تحاك من حولنا. وحياتك الشخصية تعد المكون الأول لشرعية الشعبية، فطريقة حياتك في غاية الأهمية. أنا أعيش حياة طبيعية عادية، فأنا أقود سيارتي بنفسي، ولدينا جيران، وأصطحب أبنائي إلى المدرسة، لهذا أتمتع بالشعبية. إن من الضروري العيش بهذه الطريقة فهي طريقة الحياة السورية».

وكما أخفقت زوجة الأسد في إخفاء أمر حذائها ذي الكعب العالي، لم يعد الأسد قادرا على إخفاء يديه المخضبتين بالدماء، فنحن نعيش في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وهو يختلف تماما عن الوضع قبل ثلاثين عاما، وقت ارتكاب والده حافظ الأسد مذبحة حماه. ما أعنيه هو أنهم غير قادرين على إخفاء نمط الحياة الذي يعيشونه فحسب، بل أيضا غير قادرين على إخفاء طريقتهم في الحكم في هذا العالم الذي يتسم بالشفافية. ويلقي بشار الأسد خطبا ويعطي دروسا عن الحرية والديمقراطية والاستفتاء والإصلاح والاستقلال الآن أكثر من أي وقت مضى. إنه يؤكد باستمرار الدور المحوري الذي تضطلع به سوريا من أجل مقاومة إسرائيل وما إلى ذلك، لكن هذا ليس سوى وجه واحد من العملة، فالوجه الآخر يوضح دعم إيران وحزب الله لنظام الأسد.

وتوضح رسائل البريد الإلكتروني، على ما يبدو، تلقي الأسد مشورة من إيران أو حزب الله حول عدة أمور خلال الأزمة. وقبل خطاب له في ديسمبر (كانون الأول)، وضع مستشاروه الإعلاميون قائمة طويلة بالمواضيع. وتضمنت المذكرة نصيحة للأسد باستخدام لغة «صارمة عنيفة» وتقدير الدعم المقدم من الدول الصديقة. وكذلك ورد بالمذكرة نصيحة للنظام بتسريب المزيد من المعلومات الخاصة بقدرة الجيش على إقناع الشعب بصموده أمامهم.

وتلقى الأسد باسمه المستعار رسالة عبر البريد الإلكتروني من حسين مرتضى، يخبره فيها بمقابلته لأشخاص من إيران وحزب الله، وأنهم يبلغونه بضرورة عدم ذكر أن تنظيم القاعدة وراء ما يحدث. إنه تكتيك إعلامي واضح. («الغارديان» 15 مارس 2012). ويتضح من رسائل البريد الإلكتروني، التي يعود تاريخها إلى ديسمبر، مدى توتر الأسد وزوجته، حيث تقول زوجته في إحدى الرسائل: «إذا بقينا متماسكين معا، فسوف نتجاوز هذه الأزمة معا. أحبك».

يمكن للمرء أن يتخيل قصة حب أخرى، يقول فيها الأسد للنظام الإيراني: «إذا بقينا متماسكين معا، فسوف نتجاوز هذه الأزمة معا. أحبك». أعتقد أن قصتي الحب هاتين لم تعودا تجديان نفعا؛ فالأولى تقوم على شراء مقتنيات فاخرة وما إلى ذلك، بينما تقوم الثانية على العنف. وفي حين يغذي المال الأولى، يغذي قتل الناس وتدمير المنازل الثانية، وهذا يجعل مصير الاثنين الفشل.

ويمكننا ملاحظة شكل آخر من أشكال النفاق في استراتيجية الأسد، فعندما يقول: «إن هذا هو أفضل إصلاح يمكن أن تشهده بلادي.. ونحن سوف نعدله بدلا من هراء القوانين والأحزاب والانتخابات والإعلام»، يبدو أن الأسد وعقيلته في عالم آخر وهمي منفصل تماما عن الواقع. في الأوهام تكون القلعة أفضل من المنزل البسيط، بينما يقول محمد الماغوط: «الكوخ الذي تضحك فيه خير من القصر الذي تبكي فيه».

يبدو أن بشار الأسد يريد أن يغير سوريا بعد أن تصبح خرابا، حيث يمكن للمرء سماع صوت البكاء من كل ركن من أركان البلاد. في بلد العجائب هذه حيث يبكي السوريون على أبنائهم ويشاهدون عاجزين تدمير منازلهم على يد مدفعية النظام، ترى ما هو الثمن الحقيقي لأحذية السيدة الأولى الفخمة؟