أدونيس في الموزاييك

TT

قدم ديوان غرف الموزاييك، المركز الفكري العربي المنبثق عن مؤسسة عبد المحسن القطان في لندن، المؤسسة الجديرة بكل الثناء والتقدير، احتفالية للشاعر المفكر أدونيس، استغرقت نحو أسبوع، تضمنت قراءات من شعره ورسوما من ريشته ومناقشات في أفكاره. حضرت منها الحوار الذي جرى بينه وبين سكرتير المؤسسة؛ السيد عمر القطان.

ينقسم شعراء العرب المعاصرون إلى ثلاث مدارس؛ المدرسة العربية التي لم يطلع أبناؤها على الأدب الغربي وتتمثل في الجواهري، ومعلمها البحتري، والمدرسة الإنجليزية التي تتمثل في السياب، ومعلمها إليوت، والمدرسة الفرنسية ويمثلها أدونيس، ومعلمها رامبو. ومن معالم المدرسة الفرنسية أنها تثير المناقشات، وهو ما تميزت به مسيرة هذا الشاعر. قال: الشاعر الجيد هو من يجلب لنفسه المدح الجزيل أو الذم الشديد. كنت بالأمس ممن كالوا له الذم الشديد، وأعتقد أن الأوان قد آن اليوم لأكيل له المدح الجزيل. لم لا وهو ضيفنا الآن في قلب المدرسة الإنجليزية التي أنتمي إليها؛ لندن؟!

الواقع أنه هو الذي استهل حديثه الموسوعي بامتداح نفسه، عندما قال إن اليساريين والليبراليين هاجموه بالأمس لتركيزه على الدين، وقوله إن الدين الإسلامي هو أساس الفكر العربي وحضارته. سفهوا هذا القول وأكدوا أن الدين شيء ثانوي، وهو في طريقه إلى الزوال. ولكن انظروا! (قال) إنهم هم الذين زالوا من الساحة وشغلها الآن الإسلام والإسلاميون.

ومن منطق معارفه الموسوعية، نعى غياب الديمقراطية في تاريخنا. وهنا يحق الشك في مقولته هذه. السلطوية ظاهرة عالمية لا تتطلب أي تفسير. الديمقراطية هي الشذوذ الذي يتطلب التفسير، والخلفاء كانوا من أرحم الحكام وأقلهم سفكا للدماء في التاريخ، لا سيما عند مقارنتهم بملوك فارس وسلاطين آل عثمان.

يعيش أدونيس في لبنان، البلد المشمس، ولكنه يحب الضباب والغموض ويكره العقل والعقلانية. ومن نتائج ذلك كرهه للمدرسة العقلانية التي قادها المعتزلة في العصر العباسي، ويسعى لإحيائها اليوم عراقي يريد أن يحيي تراث عراقه في زمن فقد فيه العراق والعراقيون عقلهم. لا يرى أدونيس أن العقل أو العلم هو مفتاح الإيمان. لهذا انقرض المعتزلة، وزال كل تأثيرهم. الإيمان بالله ينبغي أن ينطلق من القلب والوجدان، لا من الرأس والتفكير. وهو سر تعلقه بالتصوف الروحي، الذي أصبح في هذه الأيام موضة العصر في أوروبا، مع لبس الـ«ميني جوب». وهنا يستشهد بقول المعري الشهير:

اثنان أهل الأرض.. ذو عقل بلا

دين وآخر ديّن لا عقل له

لم يقل أدونيس أي منهما هو! الحقيقة أن هذه هي الآن موضة رجال الكنيسة الغربية أيضا. فبعد أن يئسوا من ملاحقة التطورات العلمية، أخذوا يؤكدون على أتباعهم أن الإيمان بالخالق شيء يلتصق بنفس كل إنسان التصاقا غريزيا يأخذ طريقه في المشاعر والوجدان. وهكذا أصبحنا نرى الكثير من جهابذة العلماء بلندن يخفون يوم الأحد إلى الكنيسة. الإيمان شيء راسخ في النفس لا يمكن تفسيره عقليا أو علميا، تماما مثل إيمان كل أديب بالحصول على جائزة نوبل.